٢٥- ما هي وسائل تقوية "الإرادة" في الحياة الروحية؟
إن هذا سؤال في غاية الأهمية، لأنه يشير إلى ضعف الإرادة. قبل الإجابة عليه أريد توضيح بعض المفاهيم. أولاً: ما هي الإرادة؟ وهل الإرادة هي القدرة الوحيدة في النفس أم هنالك قدرات أخرى؟ وما حال القدرات في الإنسان الذي يبدأ الطريق الروحي؟. القديس بولس يقول "تفعلون ما لا تريدون" (غل 5، 17)، وأيضاً في رسالته إلى أهل روما يقول: "لأن ما أريده من الخير لا أعمله بل ما لا أريده من الشر إياه أعمل". (غل7، 19). من هذا الكلام يتضح لنا تعريف عملي وبسيط للإرادة. هي قدرة من قدرات النفس التي تجعلنا نقوم بالأفعال اليومية، فهي تختلف عن العقل. العقل يملي علينا ما نريد أو نتمنى أن نفعل، ولكن القدرة التي تقوم بالفعل هي الإرادة. العقل من ناحيته يعرف ما هو صواب وما هو خطأ، إذ بعينه قد يراه ولكن ليس في حوزته أن يطبق ما يراه صواباً و يتفادى مايراه خطأ. إنها الإرادة هي التي تقوم بالأفعال. إن كلام القديس بولس لايشير إلى القدرتين فقط (العقل والإرادة)، ولكنه أيضاً يوضح لنا مرض الإرادة، وليس فقط ضعفها، والهوة التي تفصل بين ما يراه الإنسان في فكره وما يقوم به بالفعل بإرادته. نضيف إلى ذلك أن الفكر نفسه لا يعرف دائماً إرادة الله حتى لا يظن الناس أن عقل الإنسان صافٍ ومُلم بكل وصايا الرب.
في الواقع، السؤال الحقيقي أصعب من طلب لمعالجة الإرادة الضعيفة. إذ إن الإرادة ليست ضعيفة فقط ولكنها مريضة ومفككة. و يضاف لذلك أيضاَ ضعف العقل وتشتيته، وعدم طهارته، و أخيراً الهوة الواقعة بين العقل والإرادة التي تشير إلى المسافة بين ما يفكره العقل وما تفعله الإرادة.
علينا إذن معالجة العقل والإرادة وليس الإرادة فقط، حتى وإن كان يظهر من كلام القديس بولس أن الإرادة هي فقط التي لا تعمل جيداً. وفي سياق معالجة هاتين القدرتين يعالج أيضاً تلقائياً التناسق بينهما لأن الله لا يشفي واحدة دون الأخرى، لأن كل ما يشيره لنا الله في العقل هو الذي ستطبقه الإرادة بنعمة الرب.
عملية الإصغاء الكاملة لكلام المسيح الذي هو روح وحياة هي في آنٍ واحد 60% من عملية شفاء العقل و الإرادة، لقد أسمينا هذه العملية "صلاة الإصغاء". لو عرفنا كمؤمنين فوائد صلاة الإصغاء و قدرتها على تغيير الإنسان وشفائه لإجتمعت الكنيسة كلها وجمعت طاقاتها حول هذه العملية. ولكونها في غاية الأهمية فقد وضعها الله في الجزء الأول من القداس: مائدة الكلمة.
إن عملية الإصغاء هي بمثابة أكل وجبة "كلمة الله" لنا. فإن من يمارس عملية الإصغاء يتحقق من تغيير فعلي في إرادته يوماً بعد يوم ويشهد لمعجزة حقيقية يومية. إذ إن في عملية الإصغاء يضيء المسيح القائم من بين الأموات بكلام محدد عقل المؤمن بكلمة تخرج من فمهِ. ويتمنى المسيح المتكلم أن تتجسد هذه الكلمة في إرادة الإنسان وتحيا في أعضائه اليوم صانعة فعلاً جديداً لم يكن الإنسان يفعله من قبل.
بهذه العملية، التناول كلمة جديدة هي روح وحياة، هي نار مغيرة للإنسان اليوم، يتم شفاء الإرادة خطوة بعد خطوة، يوماً بعد يوم. كما نرى، إذا كان المسيح هو الشافي فبدون الإصغاء من طرف المؤمن وتطبيق الكلام لا يشفى الإنسان. وكما نرى الشفاء يتم تدريجياً وليس في خطوة واحدة.
إن في عملية الإصغاء يتولى المسيح نفسه إدارة طريق الرجوع لهذه النفس إلى الله. إنه الطبيب الأوحد يسبرغور الإرادة ويعرف أمراضها ويعرف ترتيب العلاج: بما يبدأ وكيف يباشر وكيف ينتهي. كثيراً ما يبدأ بالقليل بالطرق الصغيرة، وبالتكرار، حتى يدرب النفس (عقلاً وإرادة) حتى ينمو الإنسان الجديد ويشكله بروحه على مثاله حتى يصل إلى ملء قامته. المسيح هو السيد، سيد النفس، طبيبها الأوحد، ومدبر حياتها الروحية. صلاة الإصغاء تضع المؤمن فعلاً وكليةً بين يدي المسيح، المدبر.
ال 40% الباقية لشفاء الإرادة تعتمد أساساً على فعل التناول في القداس، و إمتداد هذا الفعل في "الصلاة القلبية" أو "صلاة يسوع". إذ أن جسد المسيح محيي، كله مشبع بالروح القدس المحرك الأساسي لعملية التقديس. التقديس هو أيضاً شفاء و تحرير النفس و الروح من أغلال لا تستطيع أي قوة على الأرض فكها.
تشير القديسة تريزا الأفيلية إلى ثمار الصلاة القلبية التي هي إمتداد للمناولة الأخيرة، وتقول إن كثيراً ما يحرر المسيح النفس بروحه في إطار الصلاة القلبية من خطايا أو عادات سيئة (كتاب السيرة، الفصل 7و8).
من الضروري إضافة ملاحظة أساسية: دور القانون أو الفرض في سر الاعتراف دور أساسي إذ أنه يُفّعل نعمة الاعتراف والمصالحة. حيث لا يكفي أن ننال الحِل من الكاهن حتى تشفى إرادة الإنسان. إن سر الإعتراف هو حقاً عملية شفاء ولكن قلما تكتمل في الإنسان إذ كثيراً ما ينقصها عنصر الفرض. ففي لاهوت سر الإعتراف كثيراً ما ننسى نعمة الاعتراف و تفعيلها. كثيراً ما نأخذها كالسارق ولا نستثمرها. نريح بها ضميرنا مؤقتاً حتى نقع مرة أخرى في نفس الخطيئة. في الواقع إن ضعف القانون أو الفرض أو قلة إرتباطه بنوع الخطيئة، وبالتحديد بالتشخيص الدقيق لضعف الإرادة يضعف الكثير من فاعلية سر الاعتراف. الكاهن في سر الإعتراف هو أداة حية للمسيح الطبيب الشافي، وتشخيصه لنفس المعترف في غاية الأهمية، ووصفه للدواء عليه أن يتناسب مع التشخيص.
علينا إذن استرجاع دور"سر الاعتراف" في شفاء وتقوية الإرادة، وذلك بإحياء مفهومنا للتشخيص والدواء وتطبيق الفرض.
بهذه الثلاث وسائل: "صلاة الإصغاء"و "الصلاة القلبية" و"سر الاعتراف" لدينا كم هائل من قوة الروح القدس في متناول اليد. علينا بتواضع وحكمة أن نستخدم ما وضعه الله لنا في كنيسته من وسائل فعالة حتى تشفى الإرادة وترتب وتقوى مع العقل في المسيح.
علينا ألا ننسى أن هذا الشفاء يتم بتدرج يوماً بعد يوم، وأن لنا دوراً في هذا الشفاء.
26- كيف نفهم صعوبة "السرعة" في الحياة المعاصرة روحياً؟ مثلاً نلاحظ سرعة الاتصال بالعالم كله، وأحصل على ما أحتاجه بالاتصال والتسوق و أتحدث إلى أي انسان. في حين تأخر الله في الاستجابة، وصعوبة الاصغاء إليه..إلخ.
إن هذا السؤال في غاية الأهمية، لقد أجبت عليه بإيجاز ولكنه يستحق الإفاضة فيه. إن لهذا السؤال أبعاداً كثيرة من الضروري تناولها سوية حتى نجد إجابة كافية و متكاملة.
عندما نتكلم عن حياة الإنسان الروحية، علينا أن نتناولها بكل أبعادها. ترتكزالحياة الروحية بشكل كبير على المجهود الشخصي والممارسات والعبادات الشخصية. بالتأكيد لا نستطيع فصل العبادة الجماعية الكنسية ("إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فأنا أكون بينهم" (مت18، 20 ) من العبادات الشخصية ("ادخل إلى غرفتك واغلق عليك بابك وصل إلى أبيك الذي في الخفاء" (مت6، 6) ولا نستطيع إيجاد تناقضاً بينهما بل بالعكس ترتكز الصلاة الجماعية على قدرة كل فرد على الصلاة "بالروح والحق" (يو4، 24) ومنشأ الكنيسة هو قلب الإنسان؛ فعندما يصلي كل إنسان "بالروح والحق" أي في المسيح و بالروح القدس تكون الكنيسة.
كما أن الصلاة الجماعية ترتكزعلى إتصال الفرد، المباشر مع الله، كذلك تزدهر صلاة الفرد وتعيش في وسط صلاة الجماعة.
يؤثر الوسط الجماعي تأثيراً هاماً على حياة الفرد الروحية، وهو بدوره يتأثر مباشرةً من البيئة المحيطة والثقافة المتداولة في المجتمع. كلما كانت ثقافة المجتمع والوسط الكنسي على مستوى بشري وروحي عالٍ، تأثرت صلاة الفرد الروحية إيجابياً.
إن كل ثقافة وبيئة تحملان أبعاداً روحية ليست دائماً بيّنة للفرد، ولكنه أراد أم لم يرد فهو متأثر بها. ومن الأمثلة الكثيرة لهذه التأثيرات: سرعة التداول والاتصال. في حين أننا نعتبر اليوم أن التحسن في سرعة الاتصال بين البشر عنصر إيجابي، ننسى أو نتناسى نتائج هذه السرعة على سيكولوجية الإنسان وعلى حياته الاجتماعية وأيضاً على حياته الروحية. نعيش في عصر فيه المعلومة في متناول اليد وبأقصى سرعة. لكننا ننسى الفارق الشاسع بين الحصول على المعلومة وقراءتها من ناحية وهضم المعلومة والعيش بها وفيها من ناحية أخرى. نعيش في عصر غني بالمعلومات وفقير كل الفقر ثقافياً. نكرر: الحاصل على المعلومة ليس بالذي يعيش بها وفيها، فكثيراً ما نحصل على المعلومة وقلما نهضمها ونعيش بها. يميل إذاً عصر المعلومات إلى سراب الثقافة وليست الثقافة بذاتها. فسرعة الاتصال بالعالم كله والحصول على ما نحتاجه بالاتصال والتسوق يخلق في الواقع سراباً وليس ثقافةً. هذا الفقر الثقافي يضعف قوى الإنسان الثقافية الحقيقية التي هي: التفكر وهضم المعلومة، القراءة والفهم والتحليل، التواصل البشري والتبادل الحقيقي والشعور الفعلي بالآخر.
ليس إزدياد السرعة وتقلص الزمن أمرين قهريين على الإنسان. تغير الثقافة تحت ازدياد السرعة يؤدي إلى تسطيح في غاية الخطورة. بالطبع كل ذلك يؤثر على حياتنا الكنسية و حياتنا الروحية.
الحياة الروحية الحقيقية تخلق من حولها بيئة ونبضاً روحانيين سرعان ما يجدان نفسيهما في تناقض مع البيئة الاجتماعية المحيطة.
بالطبع حل هذا التناقض لا يأتي بالهروب من العالم، أو كما يظن بعضهم باللجوء إلى الخيمة والمسواك (القلاية والعمل اليدوي). بل الحل هو المعاصرة وليس الهروب، أي أن أعاصر وأواكب التغيير والتقدم ولكن بتمييز وإفراز. علينا أن نأخذ كل ما هو إيجابي في عصرنا هذا ولكن علينا أيضاً ألا نضرب بعرض الحائط حصيلة عشرات القرون من التقدم والثقافة.
عنصر من العناصر الأساسية عند آباء الصحراء وعند القديسة تريزا الأفيلية هو عنصر اللقاء اليومي للرهبان أو الراهبات. هذا اللقاء هو بمثابة فسحة ترفيهية يلتقي فيها الراهب مع أخيه الراهب يتجاذب معه أطراف الحديث عما هو عزيز وأساسي في حياته (الله والإختبار الروحي). فكرة الفسحة عند الآباء الرهبان هي فكرة أساسية وحيوية. إذا كانت من ناحية ترفه عن الراهب وتخفف من وطأة النسك والتعب الرهباني، فهي من ناحية أخرى مصدر تبادل وتعزية هام جداً. في هذا التبادل يساعد الراهب أخاه الراهب، يشاركه بخبرته الروحية فيتعزى أخوه، ويستفيد روحياً ويتشجع. إن في هذا المثل الرهباني لدرس هام جداً لنا اليوم. فهذه الفترة الزمنية من النهار (الفسحة) هي في الواقع بلورة اجتماعية ثقافية للبيئة الضرورية التي تستطيع أن تزدهر فيها حياة الفرد الروحية. نكاد نقول أن الرهبان قد غلبوا العالم بخلقهم هذه الساعة اليومية التي يعيشون فيها هذه الفسحة. لقد غلبوا العالم بقوة الروح إذ قد خلقوا خلية صغيرة من الجنة على الأرض. مَن فصل حياة الراهب في القلاية عن هذه الفسحة قد ابتعد عن روح التجسد ومنطقه (1يو4، 1 – 2).
إن هذا المثل الذي يوضح لنا العلاقة الوطيدة بين الحياة الروحية للفرد والوسط الثقافي يدفعنا إلى الإعتناء ليس فقط بحياتنا الروحية ولكن بخلق ثقافة روحية تؤثر إيجابياً على الثقافة والوسط المحيط وتغربلها وتحولها وتسمو بها.
ليست الكلمة الأخيرة لسرعة عربتنا أو قطارنا، و لكن هي لسائق القطار. السيد هو الإنسان وليس الأداة. إذا خلقت الأداة ازدياداً في السرعة علينا بالتحكم في الأداة والسرعة. علينا أن نمارس عملية تمييز وغربلة للثقافة المحيطة حتى لا نفقد كل ما هو إيجابي في تقدمنا وحتى لا يذهب بنا ثقاقياً إلى الهاوية.
بعد شرح هذه الجوانب العديدة، من الأسهل أن نفهم أن الله لا يتأخر أبداً في الاستجابة. فالثقافة السطحية واندماجنا فيها بدون تمييز، يمكن أن يؤديا إلى ابتعادنا عن الله ويعطيانا الإيحاء الزائف أن الله يتأخر. صِغر حجم ثقافتنا في تناسب طردي مع صِغر قدرتنا على الإصغاء.
العلاج هو النهضة بالثقافة الاجتماعية و الروحية وليس بالاستسلام البليد. عبر التاريخ نستطيع أن نرى أمثلة كثيرة للنتائج الاجتماعية والثقافية لنهضات روحية متعددة. من أبسطها يمكن أن نذكر: تهذيب الأخلاق، الهدوء الاجتماعي والسياسي، واحترام النظام والمؤسسات الخدمية والمرافق، وإزدهار الفنون ورقيها بشكل يتناسب مع وصايا الله. بسبب ضعفه وخطاياه ينساق الإنسان بسهولة لشهواته فيقلب النظام الطبيعي للأمور، ويغير الفطرة التي وضعها الله في الإنسان ويشوهها. لذلك كثيراً ما رأينا عبر التاريخ أن مصدر التغيير الثقافي كان النهضة الروحية المحضة، فهي الوحيدة التي تسمح للإنسان أن ينال قوة الروح القدس المحيي، ويلتقي مع المسيح القائم من بين الأموات. يشفي إذاً المسيح أولاً الفرد، ثم الأفراد المجتمع، الثقاقة والبيئة الإجتماعية. هذه الأخيرة هي ثمرة تتوافق مع حياة هي في آن واحد عقلانية (بحسب العقل وطبيعة الأمور) و روحية. في هذه الحالة تتوافق الثقافة والبيئة الاجتماعية مع حياة روحية جادة ونشطة، ولا يوجد تفاوت بين سرعة هذه و تلك.
27- كيف أميز عمل الروح القدس فيّ؟
أولاً الروح القدس هو هبة الله الأساسية المعطاة للمؤمنين وهو المدبر الأساسي لحياتنا. بدونه لا توجد حياة روحية فينا. دوره جوهري في حياتنا المسيحية لذلك سُمي "بإصبع الله" (لو11، 20) إذ به يعمل الله مباشرةً في داخلنا. إنه المعلم الباطني وعلينا أن نتخذه صديقاً دائماً ونصغي له أقصى الإصغاء ونتبعه بإستمرار في كل خطوات إدارته الباطنية لأحداث يومنا. إنه بالمعمودية وبالميرون يفتح فينا حواساً جديدة روحية باطنية: حس السمع الروحي، حس النظر، وحس الإحساس (الإلهام أو اليقين الباطني). تنمو فينا هذه الحواس تحت إدارته وهي كقرون استشعار تجعلنا نلمس عن قرب تحركات وتوجيهات الروح القدس لنا. لا نستطيع أن نشدد كفاية على أهمية الروح القدس الله في حياتنا اليومية. لقد تحتم على المسيح أن يذهب حتى يرسل لنا الروح القدس (يو16، 7) وهذا يشير إلى عِظم وضرورة أهمية الروح القدس في حياتنا اليومية. لقد أسماه المسيح "المُعزي" (يو15، 26) مع أن المُعزي الأساسي هو المسيح. ولكننا لا نستطيع أن نحصل على المسيح ونجده بدون تدخل الروح القدس. فبالروح القدس فقط نرى ونسمع المسيح لأنه يحرك عيوننا وآذاننا الباطنيتين حتى نستطيع أن نراه ونسمعه، لذلك نطلبه دائماً قائلين: "تعالَ أيها الروح القدس". ولا توجد صلاة مسيحية، أي "بالروح والحق"، بدون روح قدس، لأنه يوجدنا داخل المسيح، أمام الآب، ولا صلاة خارج الثالوث.
ثانيا:ً قبل كل شىء علينا أن نعرف ما هو هدف عمل الروح القدس فينا. إن هدف عمل الروح القدس فينا هو واحد لاغير: تنمية وتكوين وتصوير المسيح فينا ونحن فيه. لا يوجد هدف آخر عند الروح القدس إلا جعلنا ننمو حتى نصل إلى ملء قامة المسيح (أفسس4، 13). إنه الزارع الحقيقي الأوحد الذي يتناول بذرة المعمودية ويعتني بها وينميها ويغذيها حتى تصبح شجرة كبيرةً جداً- أي المسيح فينا- تحتمي فيها الطيور (مت13، 32) وتثمر ثماراً لاعدد لها، ثمار تبقى للحياة الأبدية (يو15، 16). لذلك المؤمن الذي يريد أن يميز عمل الروح القدس، عليه أن يفهم أولاً قضية هدف الحياة الروحية وقضية الطريق الذي يؤدي إلى هذا الهدف، وخصوصاً عليه أن يعرف أن يميز خطوات وأطوار هذا الطريق. لا نستطيع فصل تمييز عمل الروح القدس من معرفة تضاريس الطريق الروحي وأطواره، وذلك لأن كل فعل من أفعال الروح القدس فينا متجه إلى الهدف: "الاتحاد بالمسيح" أو"اقتناء الروح القدس". يقيس المميز ما يحدث في حياته اليومية باتجاه بوصلة الفعل الذي يفعله.
إن كل أفعال وتحركات الروح القدس فينا هي لاهوتية، بمعنى أنها تصلنا مباشرةً بالمسيح الذي هو الله. فالفعل اللاهوتي (فعل إيمان، فعل رجاء، فعل محبة) يوصلني مباشرةً بالله (اللاهوت) أي الطبيعة الإلهية.
لاننسى أيضاً أن المقصود هنا بلفظ "الله" هو المسيح. كل حركة من حركات الروح القدس هدفها أن توصلنا للمسيح، أو بمعنى أدق أن تشكلنا على مثال المسيح. إنه حقاً الروح القدس هو الذي شكل المسيح في أحشاء مريم العذراء، ولا يفعل شيئاً آخر في المؤمنين سوى تشكيل المسيح فينا. إن حديث المسيح مع نيقوديموس (يو3، 3) في انجيل يوحنا يقع مباشرةً بعد كلام المسيح عن إعلانه لإعادة بنا هيكل جسده (يو2، 21). كل واحد منا مدعو أن يكون عضواً في جسد المسيح، وحتى يصل إلى ملء قامة المسيح عليه أن يمر عن طريق "ولادة جديدة" (يو3، 5). نحن نعرف أن فترة تكوين الإنسان في بطن أمه تدوم تسعة أشهر، كذلك فترة نمو ونضوج المسيح فينا لها أيضاً فترة تسعة "أشهر". مهندس هذا النمو، كما قلنا، هو الروح القدس. المكان الذي يحدث فيه هذا النمو، ثم هذه الولادة، هو حقاً أحشاء العذراء مريم أيضاً. ليس هنالك تغيير في منطق عمل الله. في الواقع كلمات نيقوديموس كانت قريبة جداً من الواقع الروحي، إذ أنه أشار بوضوح شديد إلى ضرورة رجوع الإنسان، وهو كبير السن، إلى بطن أمه (أنظر يو3، 4). إن في نظر المسيح، (وفي نظر يوحنا) الأم الحقيقية التي يحدث في بطنها هذا النمو وهذه الولادة هي حواء الجديدة، العذراء مريم. لهذا السبب أعطانا المسيح المتمخض10 على الصليب أحد تعاليمه وأحد وصاياه الأسمى بإعطائه أمه لنا كأم (19، 27).
و ليس انجيل يوحنا إلا وصفاً تفصيلياً لخطوات نمو الإنسان في بطن أمه العذراء مريم حتى تصل الساعة، ساعة الولادة من جديد: "المرأة تحزن إذا حانت ساعتها لتلد، ولكنها حالما تلد طفلها، لاتعود تتذكر عناءها، لفرحها بأن إنساناً قد ولد في العالم" (يو16، 21؛ انظر أيضاً رؤ12، 2 و رومية8، 22).
من المهم على كل من يتبع الروح القدس أن يفهم إطار عمله: إنه يعمل في العذراء مريم لأننا فيها، ويشكلنا فيها على صورة المسيح ومثاله. لذلك إن من العناصر الأساسية للتمييز الروحي اتخاذ العذراء كأم حقيقية تامة وشاملة، يسلمها الإنسان حياته الروحية وثماره الروحية. لهذا السبب أشار يوحنا الإنجيلي لنا بخطوة روحية ضرورية، عظيم شأنها: أن نأخذ مريم إلى بيتنا:"’هذه أمك’، ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى بيته" (يو19، 27).
هذا هو منطق التجسد، منطق يمتد من الرأس إلى الجسد أي من المسيح نفسه إلينا نحن أفراد جسده. الروح القدس الذي يعمل في المسيح هو نفسه الذي يعمل في أعضاء جسده، ومنطقه وأساليبه واحدة هنا وهناك. إذا اتخذ الله من حضن العذراء مريم مكاناً لتأنسه بعمل الروح القدس، لا يعقل ألا نتخذ نحن أيضاً من حضن العذراء مريم مكاناً طاهراً يعمل فيه الروح القدس بدون عائق وبكمال. لذلك، حتى لا تقع حياتنا الروحية خارج العذراء مريم، أو حتى لا ننسى أن نأخذها معنا في بيتنا، حذرنا بشدة القديس يوحنا في رسالته الأولى قائلاً: "أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح" (1يو4، 1). لأنه يعلم جيداً بضرورة تمييز الروح الذي يقودنا والإلهامات التي تأتينا والأفكار التي تخطر ببالنا والأحاسيس التقوية التي تدفع إرادتنا وعاطفتنا. إذ أن الحياة الروحية تشبه إنساناً يدخل في غرفة مظلمة يسمع فيها أصواتاً ولكنه لا يعرف مصدرها (يو3، 8). ومن وظائف التمييز الأولى هي كشف مصدر الصوت أي معرفة صاحب الإلهامات، إذ أن أي روح يطير في الهواء ممكن أن يؤثر علينا ويسمعنا صوته، وسماعنا لصوته لا يعني أنه الروح القدس. فالروح القدس هو، كما يقوله اللفظ، روح قدوس أي روح الله نفسه المعطى للإنسان، لا يقبل في تعامله بأيّ عائق أو أيّ قذاره أو حتى شائبه. لذلك مكانه الأوحد للعمل على تصوير المسيح فينا هو حضن العذراء. عملية تصوير المسيح فينا هي عملية طاهرة إلهية لا تستطيع أن تتم إذا كان هناك عائق أو شائبة وحضن العذراء مريم، علمنا أم لم نعلم، هو الوسط الوحيد الذي يعمل فيه الروح القدس عمله المقدس وبشروطه المقدسة كما نراها في هذا السؤال. لذلك حثنا بشدة يوحنا الإنجيلي قائلاً: "امتحنوا الأرواح لتعرفوا ما إذا كانت من عند الله أم لا"، وأيضاً "وهذه هي الطريقة التي تعرفون بها كون الروح من عند الله فعلاً: إذا كان ذلك الروح يعترف بأن يسوع المسيح قد جاء إلى الأرض في الجسد فهو من عند الله" (1يو4، 1-2).
الاعتراف بالتجسد يعني هنا أن الروح نفسه الذي عمل في التجسد في أحشاء العذراء هو الروح نفسه العامل في المؤمن الذي هو في حضن العذراء. لذلك من المنطقي أن الذي يشرع في السلوك في الحياة الروحية ويريد أن ينقاد بالروح القدس، أن يأخذ حضن العذراء مريم مسكناً، متبعاً بذلك منهج الله ومنطقه. لقد أعطيت العذراء مريم لكل معمد في معموديته. إن أحد رموز جرن المعمودية هو حضن العذراء مريم، والقنديل (أو الشمعة) الذي يضاء بعد المعمودية، علامة للإيمان الجديد للمؤمن، وعلامة لحياته الروحية الجديدة، ولشعلة الروح القدس المتقدة في قلبه، تشير إلى إيمان العذراء مريم بالمسيح، فهي العذراء الحكيمة الوحيدة التي آمنت بما قيل لها من عند الرب والتي تطوبها كل الأجيال (لو1، 48). نصاعة الثوب الجديد الذي يرتديه المعمد تشير إلى طهارة إيمان العذراء ومن ثم إيماننا، لأن إيمان أولاد حواء ينبثق من إيمانها، فحواء الجديدة هي أم الأحياء الجدد.
مع تواجد العذراء مريم منذ أول لحظة في المعمودية، على كل مسيحي يسلك في الطريق الروحي أن يجدد انتمائه لهذا الحضن على مدار اليوم (إن فعل الانتماء هذا فعل يدرب عليه له أصوله وقواعده). فمتى انتمى الإنسان إلى العذراء، أسرع وهرول الروح القدس للعمل فيه، ولإشعال نار محبة الله فيه، ومن ثم الاستطراد في عملية تنمية المسيح فيه. فاتخاذنا للعذراء يجذب الروح القدس إلينا كل الجذب.
إن داخل العذراء مريم تبقى شعلة نار الحب مشتعلة دائماً، لا تنخفض ولا تنطفىء، ومن يريد أن يحتفظ بشعلته متقدة فليلجأ إليها - والشعلة هي الروح القدس.
ثالثاً: صلاة الإصغاء
بما أن الإنسان كائن ذو عقل اختار الله أن يخاطبه بالكلام المفهوم. عندما خاطب الله الأنبياء خاطبهم بالكلام المفهوم، وعندما تجسد الأقنوم الثاني كلمة الآب وفكره وحكمته، فقد استخدم كلمات بشرية حتى يخاطب بها الإنسان، ولكنه أضفى على هذه الكلمات طابعاً فريداً: غلافها الخارجي، أي حرف الكلمة، هو بشري بسيط ومعروف، ومأخوذ من اللغة الآرامية والعبرانية المستخدمة في محيطه الثقافي. أما باطنها ومكنونها فهو الروح القدس الرب المحي لذلك قال المسيح إن كلماته هي روح وحياة (يو6، 68 )، أي روح قدس وحياة إلهية فينا. علينا إذاً أن نلاحظ الرابط الجوهري بين كلمات المسيح التي سمعها معاصروه والروح القدس: إنه لم يقل إن كلامه فيه روح وحياة ولكن إن كلامه هو روح وحياة، والفرق هنا شاسع والمكنون هام جداً. فكما يقول الكتاب إن سلاح الروح القدس هو الكلمة (أف6، 17)، وأيضاً إن بإصبع الله يطرد الشياطين(لو11، 20)، بينما نعرف أنه بكلمة واحدة يفعل ذلك. لا نستطيع إذاً أن نفصل كلام المسيح من روح مسحته أي الروح القدس. لذلك من أراد أن يميز عمل الروح القدس فيه عليه ألا يفصل، ولا بأي شكل، فهمه للروح القدس وعمله عن فهمه لكلام الله. إن كلام الله هو نار (أع2، 3) أي نار الروح القدس. التمرس في كلام الله والتعرض لأشعة كلام الله القوية هي أول أعمال التمييز. يمتحن الإنسان في بوتقة كلام الله. لذلك من أول تدريبات التمييز ممارسة صلاة الإصغاء حتى نسمح للروح القدس أن يدخل فينا بسلاحه، كما يقول الكتاب: " إن كلام الله حي، ناجع، أمضى من كل سيف ذي حدين، يصل في نفاذه إلى ما بين النفس والروح والأوصال والمخاخ، وبوسعه أن يحكم على خواطر القلب وأفكاره، لا يخفى عليه خلق بل كل شيء عار مكشوف لعيني ذاك الذي يجب علينا أن نؤدي له الحساب." (عب4، 12- 13). إن ميزة سيف الروح ليست القدرة على الدخول إلى أقصى أعماق خبايا الإنسان، ولكن أيضاً هي القدرة على التمييز أي الفرز بين شيء وآخر. إن عملية التمييز تفرق بين شيئين، وعمل السيف هو أيضاً هذا العمل أنه من ناحية يبعد ما ليس إرادة الله، ومن ناحية أخرى يبرز بتجلٍ أكبر ما هي إرادة الله.
لهذه الأسباب، علينا أولاً أن نشحذ تمييزنا بتمرسنا اليومي على كلام الله.
إن على الإنسان المنقاد بكلمة الله أن يفعل ذلك في إطار التقليد الحي والتفسير الصحيح بحسب آباء الكنيسة، لأن الروح العامل فيه من خلال معاني كلمات الكتاب هو الروح نفسه الذي عمل في الآباء. على يد الآباء نتعلم تمييز الكلمة فروح الكلمة هو روح الإيمان الذي سكن فيهم وتجلى في شروحاتهم والتلمذة على أيديهم هي تلمذة تمييز.
رابعاً: الإسترشاد
من أهم عناصر التمييز التأكيد الذي يأتي به الروح القدس عن طريق المرشد. الروح القدس يعمل أولاً فينا ولكننا لا نعمل فيه إلا بعد التثبيت الذي يعطينا إياه عن طريق الإسترشاد. فإنه لا يوجد فرق بين الروح القدس العامل فينا والروح القدس العامل في المرشد. فالروح القدس في المرشد يساعدنا أن نرى ونميز ونفرز الروح القدس العامل فينا. قلب الإنسان، كالأرض التي يتكلم عنها المسيح، فيه الزرعة الطيبة وفيه الزوؤان بأشكاله. يعمل الروح القدس في الزرعة الطيبة لأنه هو أصلها، ويشير الروح القدس نفسه عن طريق المرشد في قلبنا على عمله فينا ويبعد كل عملٍ ليس عمله. هذا التثبيت أساسي في الحياة الروحية للحصول على التمييز. التواضع هنا ضروري إذ يجعلنا نبحث عن الروح القدس الذي يكلمنا في الإرشاد الروحي. من ابتعد عن هذا المنطق فقد ضلّ.
التثبيت الذي يأتينا من الروح القدس في عملية الإرشاد يعطينا القوة الكافية حتى نقوم بعمل الله . نلاحظ أن العذراء مريم لم تسبح علناً الله إلا بعد التثبيت الذي حصلت عليه من الروح القدس عن طريق نسيبتها أليصابات. قد يظن بعضهم أنه كان من البديهي أن تُسبح العذراء مريم الرب مباشرةً بعد بشارة الملاك ولكن هذا لم يحدث.
28- ما الصليب وما القيامة في الحياة اليومية؟
بادىء ذي بدء لا نستطيع فصل الصليب عن القيامة. المسيح نفسه لم يفصلهما، ففي الأناجيل الإزائية مثلاً (متى ومرقس ولوقا) يعلن المسيح لثلاث مرات بأنه سيتألم ويموت ثم يقوم: "من ذلك الوقت، بدأ يسوع يعلن لتلاميذه أنه لابد أن يمضي ويتألم على أيدي الشيوخ و رؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل، وفي اليوم الثالث يقوم" (مت16، 21). وإذا شاهدنا الصليب، أو بالأصح المصلوب، فقط هذا لا يفرغ عملية الصلب من أبعادها: 1- أبعاد الهية 2- بعد القيامة.
1- أبعاد إلهية: إن المصلوب هو الأقنوم الثاني المتجسد، فالمصلوب بكونه الله يعطي الصليب كل الأبعاد الإلهية: لا ننسى أن المسيح اختار بكل حريته أن يدخل في آلامه وصلبه ولا ننسى أنه في آلامه مازال كلي العلم وكلي القدرة11. لذلك كل لحظة من لحظات آلام وصلب المسيح الكلمة هي ممتلئة بقوة خلاص ونصرة لا رجعة فيها. لذلك في بعض الطقوس الشرقية يحتفل بانتصار المسيح منذ لحظة موته، لأن الذي مات ليس إنساناً فقط ولكن الإله المنتصر في هذه الطبيعة البشرية.
2- بُعد القيامة: يضيف بالتأكيد حدث القيامة على حدث الموت إنتصاراً جليّاً. الموت والقيامة وجهان لا ينقسمان من عملية واحدة هي عملية الخلاص. الفصح هو في حد ذاته عبور من الظلمة، ومن الموت إلى الحياة مع الله.12
البعد الصوفي لعملية الخلاص: إن لعملية الخلاص (آلام وموت وقيامة) بُعداً "صوفياً" أساسياً بدونه يُفقد المعنى المسيحي للخلاص. كلمة "صوفي" تشير إلى واقع روحي حقيقي لا تراه العين. اللفظ أصلاً موجود باليونانية (ميستيكيه) ومن ثم مشتقاتها باللغات ذات الجذور اللاتينية. هذا اللفظ يعني "خفي" أو "سري" لذلك ترجمه بعضهم بلفظ "سري" كجسد المسيح السري.
في خميس العهد يأتي المسيح بفعل صوفي، وهو التبادل السري التام بينه وبين كل واحد منا عن طريق المناولة. يُعرف الحب بتبادل بذل الذات بين كائنين. هذا التبادل يُحدث وحدة (الوحدة أكثر من الاتحاد، ففي الاتحاد مازالا اثنان)، وهذه الوحدة من أعجب العجائب لحب الله – وهي صوفية في ذاتها.
في يوم الجمعة العظيمة يظل المسيح مصلوباً ست ساعات (ثلاث ساعات في الشمس، وثلاثاً بدون شمس). في هذه الساعات يتم فعلاً كل التبادل بين المسيح وكل واحد منا: بالروح القدس يذهب المسيح، الراعي الصالح، إلى أحلك الأماكن حتى يجد الإنسان الضال الخاطىء الميت روحياً ويحمله في داخله بعملية صوفية، يرأسها الروح القدس، يتوحد فيها كيانه مع كيان الإنسان الضال ويرجع المسيح حاملاً الإنسان في طياته إلى نور الله. لذلك، وإن كان المصلوب لا يتحرك ظاهراً، ففي الواقع إنه في حركة. إنه فعلاً فصحنا أي أنه في حالة دائمة للعبور أو بمعنى آخر إنه "عبّارتنا".
إن الله على الصليب قد فعل كل مقدوره حتى يحبنا وجعل على الصليب من نفسه، من طبيعته البشرية، "عبّارتنا" الإلهية. لاْ يفرض الله ذاته علينا بل يفضل أن يحثنا على الحب الحقيقي. تبادل الحب الحقيقي مع المسيح يعني أنه من طرفنا علينا أن نقدم ذاتنا كاملةً للمسيح، واضعين أنفسنا داخل "العبّارة" الإلهية. للتو يحملنا المسيح من ظلمةٍ إلى قيامةٍ. حركة "العبّارة"، أي المسيح المصلوب، من الظلمة إلى النور،هي حركة دائمة تُملي على الزمن البشري نبضه الأساسي (الذي فُقد) حتى تصبح وحدة الزمن الحقيقية. 1- الدخول في "العبّارة" يعبر بنا من ظلمةٍ إلى نورٍ 2- الدخول في "العبّارة" يحولنا في المسيح، أي يؤلهنا راسماً خطوتنا في الأرشيف الأبدي أي كتاب الحياة. يتغير إذاً الزمن تحت أعيننا باختبارنا لحظة بعد لحظة لخطوات العبور. في كل يوم عندما نواجه ظلماتنا ونضعها باختيار حر (الذي هو دليل حب) في قلب المسيح المصلوب، نسمح لذاتنا أن ننال الخلاص جرعة بعد جرعة، خطوة بعد خطوة، عابرين من الموت إلى القيامة، مختبرين قوة انتصاره.
علينا إذاً ألا نفقد كل الفرص المتاحة لنا خلال النهار حتى نضع صعوباتنا ومشاكلنا وفوق كل شيء ذواتنا في كيان المصلوب حتى يرفعنا إلى قلبه ويغيرنا فيه. الصليب، وبالأصح المصلوب، هو في الواقع قوة رافعة علينا استخدامها واختبارها. فبفضل الصليب الشر، وأي شر، ليس له الكلمة الأخيرة، بل المصلوب الإله هو الذي يصنع من الشر خيراً أسمى. يستطيع الله إذاً دائماً أن يستخرج من أي شر خيراً أعلى، ولكن هذا لا يتم بدوننا. كلنا مدعوون أن نضع الشر الذي ينغص علينا حياتنا بين يدي المصلوب، حتى نستطيع أن نختبر الخير الأعلى الذي هو من صنع الرب فقط. الاختبار فقط هو الذي يجعلنا نتحقق من قوة الصليب، وأن نعرف بيقين أنه "المُحول" الأكبر والأوحد الذي يحّول مرارة الظلمة إلى شهد القيامة. إن القديسين كلهم قد إستقوا من قوة الصليب البالغة واختبروا كيف أن الشر يتغير إلى خير أعلى وأن عالمنا هذا، بقوة الصليب، ليس مكتوباً عليه أن يزول ولكن أن يتحول ويتغير بقوة الصليب. علينا إذاً أن نأخذ حصتنا من المسئولية في تغيير عالمنا وألا نهرب منه، فكل واحد منا ينال قسطاً من المصاعب والشرور، ولكن عليه أن يرى قوة الصليب المغيرة التي تصحبه، وأن الله يولينا كرامة عالية، جاعلاً إيانا شركاء في تغيير وخلاص هذا القسط نفسه. علينا إذاً أن نحذو حذو القديسين، ونستخدم قوة الصليب استخداماً يومياً حتى تدخل قوة القيامة في أحداث يومنا وتغيرها. هكذا يتغير عالمنا ومجتمعنا يوماً بعد يوم تغييراً حقيقياً وفعلياً من الداخل.
تخرج من الصليب، وبالأصح من جنب المسيح (مكان خلقنا من جديد)، قوة بالغة، وعلينا أن نطلبها ونختبرها في كل لحظة من نهارنا.
29- اذكر لنا أمثلة من قديسي البيئة المصرية، وحياتهم الروحية؟
قبل التكلم عن القديسين المصريين، علينا أن نفهم مكانة كنيسة مصر في الكنيسة جمعاء. أولاً كنيسة مصر، وبالأصح كرسي الإسكندرية، هي من ضمن الكنائس الخمس الأم التي منها انبثقت كل كنائس العالم. الكنائس الأم هي: روما، الإسكندرية، القسطنطينية (أو روما الجديدة)، أنطاكية وأورشليم. كنيسة الإسكندرية لها وقع تاريخي وكنسي كبير جداً. تأثيرها أولاً و قبل كل شيء ناتج من عدد شهدائها الغفير. فنحن نعلم أن دم الشهداء المختلط بدم المسيح وبمحبته الإلهية أقوى وسيلة لنشر الإنجيل وزرع مؤمنين آخرين. من التأثيرات الأخرى لكنيسة الإسكندرية، على سبيل المثال وليس الحصر، هي: من الناحية العقائدية (أثناسيوس وكيرلس)، ومن الناحية اللاهوتية (مدرسة الإسكندرية للتعليم المسيحي: أكليمندس، أوريجانوس..إلخ) ومن الناحية الرهبانية (أنطونيوس، مكاريوس، باخوميوس) ومن الناحية الروحية (المعلمون الروحانيون من الرهبان أو من المعلمين اللاهوتين أو من البطاركة). من هذا المنطلق نحن في مصر أمام مسئولية كبيرة تاريخية وكنسية. من درس تاريخ الكنيسة الجامعة كثيراً ما سيرجع إلى مصر للأسباب التي ذكرناها أعلاه. علينا أن نفهم المنطق الإلهي الذي يقول إن الله عندما يبدأ شيئاً فهو يريد أن يكمله. لذلك علينا أن ندرس تاريخنا بنظرة إيمانية حتى نكتشف كنوزنا ومن ثم مسئوليتنا الكنسية. لا نستطيع أن ننسى أن الرهبنة بدأت في مصر، وأبو الرهبان مصري، ومدرسة الإسكندرية منارة استقى منها العالم كله بدءاً من الآباء اليونانيين. ليس سخاء تربة مصر وتقوى أهل مصر فقط لمصر ولكن للعالم.
علينا أن نعرف أن من أهم قديسي الكنيسة الجامعة هو القديس أنطونيوس الكبير أبو الرهبان. إن حياته بأطوارها فصل جديد يفتح أعيننا لفهم انجيل المسيح بشكل أعمق. إن تعاليم القديس أنطونيوس لها خاصية مميزة و فيها النعمة الخاصة للمؤسس الذي هو أب لعائلة كبيرة.
علينا أن نتنبه للعلاقة الوطيدة بين القديس أنطونيوس والحياة الجديدة التي يفتتحها من ناحية، و القديس أثناسيوس بطريرك الإسكندرية وأسقفها من ناحية أخرى. إن من عرّف العالم بالقديس أنطونيوس وقدم هذه الحياة كمثل للجميع هو القديس أثناسيوس الرسولي. فالقديس أثناسيوس رأى نعمة الله في أنطونيوس تعمل وتخلق نمط حياة جديد. بسرده لحياة أنطونيوس كان أثناسيوس يثبّت هذه الدعوة في الكنيسة في مصر وفي العالم. لقد رأى أيضاً القديس أثناسيوس العلاقة الوطيدة بين نمط الحياة (وبالأخص الحياة الروحية العميقة التي هي جوهر الحياة الرهبانية)، وأورثوذكسية الاعتراف: لقد استدعى القديس أثناسيوس أنطونيوس الراهب من خلوته حتى يساعده بشهادته في حروبه العقائدية ضد آريوس و فيروسه المنتشر. و جاء أنطونيوس مسرعاً، معترفاً بأن المسيح هو الله.
من المهم جداً للكنيسة أن تفهم معنى دعوة أنطونيوس المصري. كان أنطونيوس مؤمناً عادياً ينتمي لرعيته. و في يوم من الأيام، في القداس، أتاه صوت الرب داعياً إياه للتعمق في معموديته13. فترك أنطونيوس كل شيء حتى يبحث عن المسيح الله ويجده ويعيش معه. لقد كرس كل طاقاته لهذا الهدف الأوحد. هذا هو المعنى الأساسي لهذه الحياة الجديدة.فالسخاء والتقوى اللذان عُرف بها شهداء مصر كُرسوا، ببركة أثناسيوس، في هذا السعي الدؤوب الذي أصبح أنطونيوس رأساً له.
"يسوع المسيح هو الذي مسحه الآب بالروح القدس وأقامه "كاهناً ونبياً وملكاً". وشعب الله كله يشترك في وظائف المسيح الثلاث هذه، ويتحمل مسئوليات الرسالة والخدمة التي تنشأ عنها" (كتاب التعليم المسيحي رقم 783). في هذا الحدث الفريد في حياة الكنيسة، حدث دعوة المسيح لأنطونيوس حتى يتبعه عن قريب، تظهر عناصر الكنيسة ووظائفها: الكنيسة ملكة تدبر حياة المؤمنين، وتُّفصل كلمة الحق في شخص بطريركها وأسقفها أثناسيوس. والكنيسة كاهنة تتبلور في رعية أنطونيوس وكاهنها. والكنيسة نبوية تتبلور في أنطونيوس أبي الرهبان والروحانيين. تكون الكنيسة جسداً متكاملاً وناضجاً عندما تجتمع وتعمل فيها هذه العناصر الثلاث بدون فصل ولاامتزاج: التدبير الأسقفي، الرعاية الكهنوتية (في الرعية) والقيام النبوي14 (للراهب أو الروحاني).
بمعنى آخر إن أنطونيوس يعد أكثر من "أب للرهبان". فالوظيفة النبوية في الكنيسة ليست مقتصرة على الراهب أو اللاهوتي15. الدعوة للتعمق في المعمودية، التي هي دعوة الراهب، ليست مقتصرة على الراهب. فكل مسيحي، ممكن في حقبة من حياته المسيحية، أن يشعر بدعوة للتعمق في حياته الروحية. فهذه الدعوة ليست رهبانية ولكن إطارها إطار نبوي. ويبقى القديس أنطونيوس، الذي تبلور فيه العنصر النبوي للكنيسة، مثالاً ومرجعية أساسياً لهذه الدعوة. لذلك علينا أن ندرس بحرص شديد حياته و أطوارها الروحية، لأن فيها تعاليم أساسية لكل من سمع الدعوة من المسيح للتعمق في حياته الروحية.
30- كيف تؤثر الروحانيات المعاصرة في الكنيسة الكاثوليكية إيجابياً على وحدة الكنائس (أي الحركة المسكونية)؟
منذ بداية القرن الماضي، نشأ في قلوب المؤمنين المسيحيين أي المعمدين الإحساس الروحي الإيماني بضرورة وحدة أخوة المسيح في كنيسة واحدة ذات راعٍ واحد وروح واحدة. هذه المجهودات، صدرت من مؤمنين ينتمون إلى كنائس وجماعات مسيحية مختلفة. بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، تبلورت هذه المجهودات في نص أساسي صدر في المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني وعنوانه "الحركة المسكونية". علينا بالتأكيد أن نقرأ هذا النص ونتمعن فيه حتى نفهم معاني وأبعاد هذه الدفعة الإلهية النابعة من الروح القدس التي تدعو كل مسيحي وبالأخص كل مسيحي كاثوليكي إلى أن يسعى جاهداً لتحقيق وحدة الكنائس. الجدير بالذكر، ومن الهام جداً أن نعي أن السبب الأول والأساسي للدعوة إلى "المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني" تحت رعاية البابا يوحنا الثالث والعشرين في 25 يناير 1961، كان واحداً هو تحقيق وحدة الكنائس والجماعات المسيحية تحت كنيسة واحدة كما أرادها المسيح وروح واحدة. من الممكن أيضاً قراءة كتاب "التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكي" فقرات من 813 حتى 822 الذي يتكلم فيه عن كون الكنيسة "واحدة" ويشرح فيه: 1- سر وحدة الكنيسة (813- 816) 2- جراح الوحدة (817- 819) 3- نحو الوحدة (820 -822).
الرقم 821 في كتاب "التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية" تشرح فيه الكنيسة شتى الوسائل التي علينا أن نتخذها ككاثوليك وكمسيحيين حتى نصل إلى نعمة تحقيق الوحدة. من قرأ وتعمق في هذه القضية الهامة و الأساسية وضّحت له الأبعاد الروحية للدعوة الإلهية إلى الوحدة.
إننا نتكلم عن دعوة فعلية يوجهها الروح القدس إلى قلب كل مسيحي يبدأ يتعمق في حياته المسيحية. نلاحظ إذاً الرباط الباطني الوثيق الذي يربط بين الحياة الروحية للمؤمن (أياً كان كاهناً، راهباً، أوعلمانياً) والدعوة الروحية للعمل نحو اتحاد الكنائس. هذا يعني أنه إذا كانت حياة المؤمن (أياً كان وأياً كانت كنيسته أو جماعته) فعلاً صادقة وطاهرة فالروح القدس الذي يعمل فيه سينشيء في قلبه أنيناً وحمية، يتألم من ناحية لتمزق جسد المسيح، ويدفعه الروح القدس أي المحبة الإلهية من ناحية أخرى إلى العمل الدؤوب نحو الوحدة بشتى الوسائل المتاحة اليوم.
الجدير بالذكر، وعلى سبيل المثال، إن ثمة مجهودات كبيرة قد تمت بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذوكسية، ولكن هنالك إنجازات فعلية قد تمت خاصةً منذ زيارة البابا شنودة الثالث للبابا بولس السادس سنة 1973 . منذ ذلك الحين قد اتفقت الكنيستان على عدة نصوص، منها نص أساسي إيماني حول شخص المسيح يلاشي قروناً من الشك والغموض والحزن والألم. إنها فعلاً صفحة جديدة بل وعصر جديد مضيء، يعالج شيئاً فشيئاً ما قد تم للأسف في مجمع خلقدونية سنة 451 . على جمع المؤمنين أن يعلموا أن الكنيستين تجتمعان بشكلِ دوري على مستوى المسئولين واللاهوتيين لدراسة نقاط الخلاف والتوصل إلى ملاشاتها. على المؤمنين على أرض الواقع أن يصحبوا هذه المجهودات المضنية بالوعي والصلاة.
المسيحي له دور أساسي في التحرك نحو الوحدة. إنه لا يكتفي بالتفرج على مجهودات الكنائس اللاهوتية، وعلى العمل اللاهوتي بل عليه أن يساهم بالكثير في إطاره وعلى مستواه. إنه على حق تتكلم الكنيسة الكاثوليكية عن البعد الروحي للحركة المسكونية مسمية إياه ب "المسكونية الروحية"، داعية المؤمنين إلى "ا"لصلاة المشتركة" إذ إن التجدد في الباطن والقداسة في السيرة، متحدين بالصلوات الجمهورية والفردية لأجل الوحدة بين المسيحيين، يجب أن يعدا بمثابة الروح لكل حركة مسكونية، وأن يسميا بحق "المسكونية الروحية"" ("التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية" 821 ).
من البديهي أن كلما ازداد الوعي الروحي للمسيحي، أياً كان انتماؤه الكنسي وأياً كانت عائلته الروحية (
انتماء لأخوية أو رهبانية ثالثة أو حركة كنسية...إلى آخره) ازداد حسه الروحي المسكوني، وازدادت صلاته للوحدة، وأضفى على علاقته مع إخوته المسيحيين بروح الرغبة في الوحدة. الانفتاح بالفكر وبالقلب للأخوة المسيحيين، هو نتيجة طبيعية لعمل الروح القدس في المسيحي. يشير الروح القدس،الذي هو روح الوحدة، إلى كل ماهو إيجابي وبنّاء عند الآخر ويدفعنا إلى المساهمة في إنمائه والإستفادة منه.
علينا أن نضيف بعداً محلياً مهماً للقضية المسكونية، وبالأخص ل "المسكونية الروحية" بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية: كلما تعمقنا في التراث الروحي الحي في كل من الكنيستين، تحققنا في الأعماق أن في الواقع تراثنا واحداً وأن التفاوت في التعبير عنه ليس إلا قشور. بهذا الشكل نتحقق أن ليس وحدتنا متحققة في مشاهدتنا للمسيح الواحد في الصلاة والطلب ولكن، وحدتنا متحققة أيضاً في وحدة التراث الروحي. هذا التحقق يدفعنا إلى وعي جديد متجدد بأن مياهنا الجوفية واحدة حتى وإذا كان ظاهرياً أن لكلٍ بئرهِ الخاص. لذلك علينا أن نعيش ونحيا في الأعماق حيث المياة الواحدة التي تتدفق بغزارة. "من له أذنان فليسمع" (مت13، 9).
نستخلص مما سبق أننا مازلنا نستطيع فعل الكثير حتى نحقق رغبة الروح الذي يسكننا في وحدة الجسد. أولاً: لا يستطيع أي مسيحي كان أن يدعي أن روح المسيح تسكن فيه وأن لديه حياة روحية وهو في الواقع لا يشعر روحياً (وهذا من ثمار الروح) بألم تمزق الجسد الواحد. هذا الأنين يسكن دائماً في قلب صلاته وأحاسيسه وعلاقاته مع إخوته المسيحيين أياً كان تصرفهم. ثانياً: على كل مسيحي أن يتعمق ليس في حياته الروحية فقط ولكن في معرفته لتراثه الروحي لكنيسته أولاً وللكنائس الأخرى ثانياً. إن لدينا الكثير المشترك في هذا الصدد. بعد هذا التعمق يصبح من السهل على المؤمن أن يسكن في الأعماق ويعيش منذ الآن بُعد الوحدة المتحقق في هذه الأعماق. فبشكل ما اختبار المياه الجوفية المتدفقة الواحدة الموحدة هو اختبار ليس لوحدة مستقبلية فقط ولكن لوحدة متحققة منذ الآن. نفهم من ذلك أن التوصل إلى الوحدة الفعلية يفرض على الكنائس أن تنمو روحياً في أفرادها وفي جمعها. فمعادلة الوحدة ليست 1+1 = 1 ولكن 5+5 = 1. هذا يعني أن كل 1 نما روحياً وأصبح 5. وهذا يعني أيضاً أن بدون حياة روحية وبدون نمو روحي فردياً وكنسياً العمل المسكوني ناقص ( 1+1= 2 وليس 1). الخطر الذي يواجهنا اليوم في النقاشات اللاهوتية هو الذي واجهنا في مجمع خلقيدونية في سنة 451 .
إذ أن من السهل على النقاش اللاهوتي أن يخدم نوايا وسياسات بشرية وعرقية. أما الحياة الروحية العالية تجرد الإنسان من هذه الشوائب البشرية المتدنية وتجعل النقاش اللاهوتي تحت خدمة الروح القدس وليس العكس.
أتمنى أخيراً أن هذا اللقاء وهذه الشروحات تكون قد أعطت دفعة لمن يقرأها أن يتعلم أكثر، ويبحث أكثر ومن الممكن أن يسأل في كنيسته. وأتمنى من القارئين لهذا الكتاب أن يقتربوا، ويدخلوا في طريق التغيير، والنمو، والتطهر، حتى يصلوا إلى الاتحاد مع الله، وأن تكون لهم خصوبة، لا يعطيها إلا الله وحده.
أشكركم،
رفيق خوري
رفيق خوري
www.amorvincit.com
10 إن هذا اللفظ ورد على لسان القديس بولس في رسالته إلى غلاطية 4: 19، ولكن المتمخض الأول والأوحد هو المخلص نفسه على الصليب. فأي تمخض آخر هو في الواقع اشتراك في تمخض المسيح.
11 انظر يوحنا 18، 4 – 6 حيث يتجلى هذا السلطان
12 ملاحظة: الانتصار التام يتم بصعود الرب بطبيعته البشرية وجلوسه عن يمين الآب. لذلك يشدد القديس بولس على هذا الانتصار في السماء وعلى سلطان المسيح التام (أفسس1، 20 – 22).
13 لاهوتياً، التكريس الرهبني مع أنه نعمة خاصة ودعوة خاصة ونمط حياة ونذور لا يشكل سراً جديداً في الكنيسة. الأسرار السبعة، وعلى رأسها المعمودية، باقية كما هي. التكريس الرهباني في حد ذاته لا يضيف شيئاً جديداً للمعمودية، ولكنه دعوة و نعمة للتعمق في المعمودية ذاتها إذ أن فيها كل شيء، والمعمد أساساً لا ينقصه شىء
14 "وقام إيليا كالنار و توقد كلامه كالمشعل" (سيراخ48، 1).
15 الجامعات و المعاهد و المدارس اللاهوتية تعد أيضاً من ضمن الوظيفة النبوية للكنيسة.