الاثنين، 25 مارس 2013

٣- مدخل الى الحياة الروحية - ج


٢٥- ما هي وسائل تقوية 
"الإرادةفي الحياة الروحية؟

إن هذا سؤال في غاية الأهمية، لأنه يشير إلى ضعف الإرادةقبل الإجابة عليه أريد توضيح بعض المفاهيمأولاًما هي الإرادة؟ وهل الإرادة هي القدرة الوحيدة في النفس أم هنالك قدرات أخرى؟ وما حال القدرات في الإنسان الذي يبدأ الطريق الروحي؟القديس بولس يقول "تفعلون ما لا تريدون" (غل 5، 17)، وأيضاً في رسالته إلى أهل روما يقول: "لأن ما أريده من الخير لا أعمله بل ما لا أريده من الشر إياه أعمل". (غل7، 19). من هذا الكلام يتضح لنا تعريف عملي وبسيط للإرادةهي قدرة من قدرات النفس التي تجعلنا نقوم بالأفعال اليومية، فهي تختلف عن العقلالعقل يملي علينا ما نريد أو نتمنى أن نفعل، ولكن القدرة التي تقوم بالفعل هي الإرادةالعقل من ناحيته يعرف ما هو صواب وما هو خطأ، إذ بعينه قد يراه ولكن ليس في حوزته أن يطبق ما يراه صواباً و يتفادى مايراه خطأإنها الإرادة هي التي تقوم بالأفعالإن كلام القديس بولس لايشير إلى القدرتين فقط (العقل والإرادة)، ولكنه أيضاً يوضح لنا مرض الإرادة، وليس فقط ضعفها، والهوة التي تفصل بين ما يراه الإنسان في فكره وما يقوم به بالفعل بإرادتهنضيف إلى ذلك أن الفكر نفسه لا يعرف دائماً إرادة الله حتى لا يظن الناس أن عقل الإنسان صافٍ ومُلم بكل وصايا الرب.
في الواقع، السؤال الحقيقي أصعب من طلب لمعالجة الإرادة الضعيفةإذ إن الإرادة ليست ضعيفة فقط ولكنها مريضة ومفككةو يضاف لذلك أيضاَ ضعف العقل وتشتيته، وعدم طهارته، و أخيراً الهوة الواقعة بين العقل والإرادة التي تشير إلى المسافة بين ما يفكره العقل وما تفعله الإرادة.
علينا إذن معالجة العقل والإرادة وليس الإرادة فقط، حتى وإن كان يظهر من كلام القديس بولس أن الإرادة هي فقط التي لا تعمل جيداًوفي سياق معالجة هاتين القدرتين يعالج أيضاً تلقائياً التناسق بينهما لأن الله لا يشفي واحدة دون الأخرى، لأن كل ما يشيره لنا الله في العقل هو الذي ستطبقه الإرادة بنعمة الرب.
عملية الإصغاء الكاملة لكلام المسيح الذي هو روح وحياة هي في آنٍ واحد 60% من عملية شفاء العقل و الإرادة، لقد أسمينا هذه العملية "صلاة الإصغاء". لو عرفنا كمؤمنين فوائد صلاة الإصغاء و قدرتها على تغيير الإنسان وشفائه لإجتمعت الكنيسة كلها وجمعت طاقاتها حول هذه العمليةولكونها في غاية الأهمية فقد وضعها الله في الجزء الأول من القداسمائدة الكلمة.
إن عملية الإصغاء هي بمثابة أكل وجبة "كلمة اللهلنافإن من يمارس عملية الإصغاء يتحقق من تغيير فعلي في إرادته يوماً بعد يوم ويشهد لمعجزة حقيقية يوميةإذ إن في عملية الإصغاء يضيء المسيح القائم من بين الأموات بكلام محدد عقل المؤمن بكلمة تخرج من فمهِويتمنى المسيح المتكلم أن تتجسد هذه الكلمة في إرادة الإنسان وتحيا في أعضائه اليوم صانعة فعلاً جديداً لم يكن الإنسان يفعله من قبل.
بهذه العملية، التناول كلمة جديدة هي روح وحياة، هي نار مغيرة للإنسان اليوم، يتم شفاء الإرادة خطوة بعد خطوة، يوماً بعد يومكما نرى، إذا كان المسيح هو الشافي فبدون الإصغاء من طرف المؤمن وتطبيق الكلام لا يشفى الإنسانوكما نرى الشفاء يتم تدريجياً وليس في خطوة واحدة.
إن في عملية الإصغاء يتولى المسيح نفسه إدارة طريق الرجوع لهذه النفس إلى اللهإنه الطبيب الأوحد يسبرغور الإرادة ويعرف أمراضها ويعرف ترتيب العلاجبما يبدأ وكيف يباشر وكيف ينتهيكثيراً ما يبدأ بالقليل بالطرق الصغيرة، وبالتكرار، حتى يدرب النفس (عقلاً وإرادةحتى ينمو الإنسان الجديد ويشكله بروحه على مثاله حتى يصل إلى ملء قامتهالمسيح هو السيد، سيد النفس، طبيبها الأوحد، ومدبر حياتها الروحيةصلاة الإصغاء تضع المؤمن فعلاً وكليةً بين يدي المسيح، المدبر.
ال 40% الباقية لشفاء الإرادة تعتمد أساساً على فعل التناول في القداس، و إمتداد هذا الفعل في "الصلاة القلبيةأو "صلاة يسوع". إذ أن جسد المسيح محيي، كله مشبع بالروح القدس المحرك الأساسي لعملية التقديسالتقديس هو أيضاً شفاء و تحرير النفس و الروح من أغلال لا تستطيع أي قوة على الأرض فكها.
تشير القديسة تريزا الأفيلية إلى ثمار الصلاة القلبية التي هي إمتداد للمناولة الأخيرة، وتقول إن كثيراً ما يحرر المسيح النفس بروحه في إطار الصلاة القلبية من خطايا أو عادات سيئة (كتاب السيرة، الفصل 7و8).
من الضروري إضافة ملاحظة أساسيةدور القانون أو الفرض في سر الاعتراف دور أساسي إذ أنه يُفّعل نعمة الاعتراف والمصالحةحيث لا يكفي أن ننال الحِل من الكاهن حتى تشفى إرادة الإنسانإن سر الإعتراف هو حقاً عملية شفاء ولكن قلما تكتمل في الإنسان إذ كثيراً ما ينقصها عنصر الفرضففي لاهوت سر الإعتراف كثيراً ما ننسى نعمة الاعتراف و تفعيلهاكثيراً ما نأخذها كالسارق ولا نستثمرهانريح بها ضميرنا مؤقتاً حتى نقع مرة أخرى في نفس الخطيئةفي الواقع إن ضعف القانون أو الفرض أو قلة إرتباطه بنوع الخطيئة، وبالتحديد بالتشخيص الدقيق لضعف الإرادة يضعف الكثير من فاعلية سر الاعترافالكاهن في سر الإعتراف هو أداة حية للمسيح الطبيب الشافي، وتشخيصه لنفس المعترف في غاية الأهمية، ووصفه للدواء عليه أن يتناسب مع التشخيص.
علينا إذن استرجاع دور"سر الاعتراففي شفاء وتقوية الإرادة، وذلك بإحياء مفهومنا للتشخيص والدواء وتطبيق الفرض.
بهذه الثلاث وسائل: "صلاة الإصغاء"و "الصلاة القلبيةو"سر الاعترافلدينا كم هائل من قوة الروح القدس في متناول اليدعلينا بتواضع وحكمة أن نستخدم ما وضعه الله لنا في كنيسته من وسائل فعالة حتى تشفى الإرادة وترتب وتقوى مع العقل في المسيح.
علينا ألا ننسى أن هذا الشفاء يتم بتدرج يوماً بعد يوم، وأن لنا دوراً في هذا الشفاء.

26- كيف نفهم صعوبة "السرعةفي الحياة المعاصرة روحياً؟ مثلاً نلاحظ سرعة الاتصال بالعالم كله، وأحصل على ما أحتاجه بالاتصال والتسوق و أتحدث إلى أي انسانفي حين تأخر الله في الاستجابة، وصعوبة الاصغاء إليه..إلخ.

إن هذا السؤال في غاية الأهمية، لقد أجبت عليه بإيجاز ولكنه يستحق الإفاضة فيهإن لهذا السؤال أبعاداً كثيرة من الضروري تناولها سوية حتى نجد إجابة كافية و متكاملة.
عندما نتكلم عن حياة الإنسان الروحية، علينا أن نتناولها بكل أبعادهاترتكزالحياة الروحية بشكل كبير على المجهود الشخصي والممارسات والعبادات الشخصيةبالتأكيد لا نستطيع فصل العبادة الجماعية الكنسية ("إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فأنا أكون بينهم" (مت18، 20 ) من العبادات الشخصية ("ادخل إلى غرفتك واغلق عليك بابك وصل إلى أبيك الذي في الخفاء" (مت6، 6) ولا نستطيع إيجاد تناقضاً بينهما بل بالعكس ترتكز الصلاة الجماعية على قدرة كل فرد على الصلاة "بالروح والحق" (يو4، 24) ومنشأ الكنيسة هو قلب الإنسان؛ فعندما يصلي كل إنسان "بالروح والحقأي في المسيح و بالروح القدس تكون الكنيسة.
كما أن الصلاة الجماعية ترتكزعلى إتصال الفرد، المباشر مع الله، كذلك تزدهر صلاة الفرد وتعيش في وسط صلاة الجماعة.
يؤثر الوسط الجماعي تأثيراً هاماً على حياة الفرد الروحية، وهو بدوره يتأثر مباشرةً من البيئة المحيطة والثقافة المتداولة في المجتمعكلما كانت ثقافة المجتمع والوسط الكنسي على مستوى بشري وروحي عالٍ، تأثرت صلاة الفرد الروحية إيجابياً.
إن كل ثقافة وبيئة تحملان أبعاداً روحية ليست دائماً بيّنة للفرد، ولكنه أراد أم لم يرد فهو متأثر بهاومن الأمثلة الكثيرة لهذه التأثيراتسرعة التداول والاتصالفي حين أننا نعتبر اليوم أن التحسن في سرعة الاتصال بين البشر عنصر إيجابي، ننسى أو نتناسى نتائج هذه السرعة على سيكولوجية الإنسان وعلى حياته الاجتماعية وأيضاً على حياته الروحيةنعيش في عصر فيه المعلومة في متناول اليد وبأقصى سرعةلكننا ننسى الفارق الشاسع بين الحصول على المعلومة وقراءتها من ناحية وهضم المعلومة والعيش بها وفيها من ناحية أخرىنعيش في عصر غني بالمعلومات وفقير كل الفقر ثقافياًنكررالحاصل على المعلومة ليس بالذي يعيش بها وفيها، فكثيراً ما نحصل على المعلومة وقلما نهضمها ونعيش بهايميل إذاً عصر المعلومات إلى سراب الثقافة وليست الثقافة بذاتهافسرعة الاتصال بالعالم كله والحصول على ما نحتاجه بالاتصال والتسوق يخلق في الواقع سراباً وليس ثقافةًهذا الفقر الثقافي يضعف قوى الإنسان الثقافية الحقيقية التي هيالتفكر وهضم المعلومة، القراءة والفهم والتحليل، التواصل البشري والتبادل الحقيقي والشعور الفعلي بالآخر.
ليس إزدياد السرعة وتقلص الزمن أمرين قهريين على الإنسانتغير الثقافة تحت ازدياد السرعة يؤدي إلى تسطيح في غاية الخطورةبالطبع كل ذلك يؤثر على حياتنا الكنسية و حياتنا الروحية.
الحياة الروحية الحقيقية تخلق من حولها بيئة ونبضاً روحانيين سرعان ما يجدان نفسيهما في تناقض مع البيئة الاجتماعية المحيطة.
بالطبع حل هذا التناقض لا يأتي بالهروب من العالم، أو كما يظن بعضهم باللجوء إلى الخيمة والمسواك (القلاية والعمل اليدوي). بل الحل هو المعاصرة وليس الهروب، أي أن أعاصر وأواكب التغيير والتقدم ولكن بتمييز وإفرازعلينا أن نأخذ كل ما هو إيجابي في عصرنا هذا ولكن علينا أيضاً ألا نضرب بعرض الحائط حصيلة عشرات القرون من التقدم والثقافة.

عنصر من العناصر الأساسية عند آباء الصحراء وعند القديسة تريزا الأفيلية هو عنصر اللقاء اليومي للرهبان أو الراهباتهذا اللقاء هو بمثابة فسحة ترفيهية يلتقي فيها الراهب مع أخيه الراهب يتجاذب معه أطراف الحديث عما هو عزيز وأساسي في حياته (الله والإختبار الروحي). فكرة الفسحة عند الآباء الرهبان هي فكرة أساسية وحيويةإذا كانت من ناحية ترفه عن الراهب وتخفف من وطأة النسك والتعب الرهباني، فهي من ناحية أخرى مصدر تبادل وتعزية هام جداًفي هذا التبادل يساعد الراهب أخاه الراهب، يشاركه بخبرته الروحية فيتعزى أخوه، ويستفيد روحياً ويتشجعإن في هذا المثل الرهباني لدرس هام جداً لنا اليومفهذه الفترة الزمنية من النهار (الفسحةهي في الواقع بلورة اجتماعية ثقافية للبيئة الضرورية التي تستطيع أن تزدهر فيها حياة الفرد الروحيةنكاد نقول أن الرهبان قد غلبوا العالم بخلقهم هذه الساعة اليومية التي يعيشون فيها هذه الفسحةلقد غلبوا العالم بقوة الروح إذ قد خلقوا خلية صغيرة من الجنة على الأرضمَن فصل حياة الراهب في القلاية عن هذه الفسحة قد ابتعد عن روح التجسد ومنطقه (1يو4، 1 – 2).
إن هذا المثل الذي يوضح لنا العلاقة الوطيدة بين الحياة الروحية للفرد والوسط الثقافي يدفعنا إلى الإعتناء ليس فقط بحياتنا الروحية ولكن بخلق ثقافة روحية تؤثر إيجابياً على الثقافة والوسط المحيط وتغربلها وتحولها وتسمو بها.
ليست الكلمة الأخيرة لسرعة عربتنا أو قطارنا، و لكن هي لسائق القطارالسيد هو الإنسان وليس الأداةإذا خلقت الأداة ازدياداً في السرعة علينا بالتحكم في الأداة والسرعةعلينا أن نمارس عملية تمييز وغربلة للثقافة المحيطة حتى لا نفقد كل ما هو إيجابي في تقدمنا وحتى لا يذهب بنا ثقاقياً إلى الهاوية.
بعد شرح هذه الجوانب العديدة، من الأسهل أن نفهم أن الله لا يتأخر أبداً في الاستجابةفالثقافة السطحية واندماجنا فيها بدون تمييز، يمكن أن يؤديا إلى ابتعادنا عن الله ويعطيانا الإيحاء الزائف أن الله يتأخرصِغر حجم ثقافتنا في تناسب طردي مع صِغر قدرتنا على الإصغاء.
العلاج هو النهضة بالثقافة الاجتماعية و الروحية وليس بالاستسلام البليدعبر التاريخ نستطيع أن نرى أمثلة كثيرة للنتائج الاجتماعية والثقافية لنهضات روحية متعددةمن أبسطها يمكن أن نذكرتهذيب الأخلاق، الهدوء الاجتماعي والسياسي، واحترام النظام والمؤسسات الخدمية والمرافق، وإزدهار الفنون ورقيها بشكل يتناسب مع وصايا اللهبسبب ضعفه وخطاياه ينساق الإنسان بسهولة لشهواته فيقلب النظام الطبيعي للأمور، ويغير الفطرة التي وضعها الله في الإنسان ويشوههالذلك كثيراً ما رأينا عبر التاريخ أن مصدر التغيير الثقافي كان النهضة الروحية المحضة، فهي الوحيدة التي تسمح للإنسان أن ينال قوة الروح القدس المحيي، ويلتقي مع المسيح القائم من بين الأمواتيشفي إذاً المسيح أولاً الفرد، ثم الأفراد المجتمع، الثقاقة والبيئة الإجتماعيةهذه الأخيرة هي ثمرة تتوافق مع حياة هي في آن واحد عقلانية (بحسب العقل وطبيعة الأمورو روحيةفي هذه الحالة تتوافق الثقافة والبيئة الاجتماعية مع حياة روحية جادة ونشطة، ولا يوجد تفاوت بين سرعة هذه و تلك.


27- كيف أميز عمل الروح القدس فيّ؟

أولاً الروح القدس هو هبة الله الأساسية المعطاة للمؤمنين وهو المدبر الأساسي لحياتنابدونه لا توجد حياة روحية فينادوره جوهري في حياتنا المسيحية لذلك سُمي "بإصبع الله" (لو11، 20) إذ به يعمل الله مباشرةً في داخلناإنه المعلم الباطني وعلينا أن نتخذه صديقاً دائماً ونصغي له أقصى الإصغاء ونتبعه بإستمرار في كل خطوات إدارته الباطنية لأحداث يومناإنه بالمعمودية وبالميرون يفتح فينا حواساً جديدة روحية باطنيةحس السمع الروحي، حس النظر، وحس الإحساس (الإلهام أو اليقين الباطني). تنمو فينا هذه الحواس تحت إدارته وهي كقرون استشعار تجعلنا نلمس عن قرب تحركات وتوجيهات الروح القدس لنالا نستطيع أن نشدد كفاية على أهمية الروح القدس الله في حياتنا اليوميةلقد تحتم على المسيح أن يذهب حتى يرسل لنا الروح القدس (يو16، 7) وهذا يشير إلى عِظم وضرورة أهمية الروح القدس في حياتنا اليوميةلقد أسماه المسيح "المُعزي" (يو15، 26) مع أن المُعزي الأساسي هو المسيحولكننا لا نستطيع أن نحصل على المسيح ونجده بدون تدخل الروح القدسفبالروح القدس فقط نرى ونسمع المسيح لأنه يحرك عيوننا وآذاننا الباطنيتين حتى نستطيع أن نراه ونسمعه، لذلك نطلبه دائماً قائلين: "تعالَ أيها الروح القدس". ولا توجد صلاة مسيحية، أي "بالروح والحق"، بدون روح قدس، لأنه يوجدنا داخل المسيح، أمام الآب، ولا صلاة خارج الثالوث.

ثانيا:ً قبل كل شىء علينا أن نعرف ما هو هدف عمل الروح القدس فيناإن هدف عمل الروح القدس فينا هو واحد لاغيرتنمية وتكوين وتصوير المسيح فينا ونحن فيهلا يوجد هدف آخر عند الروح القدس إلا جعلنا ننمو حتى نصل إلى ملء قامة المسيح (أفسس4، 13). إنه الزارع الحقيقي الأوحد الذي يتناول بذرة المعمودية ويعتني بها وينميها ويغذيها حتى تصبح شجرة كبيرةً جداًأي المسيح فيناتحتمي فيها الطيور (مت13، 32) وتثمر ثماراً لاعدد لها، ثمار تبقى للحياة الأبدية (يو15، 16). لذلك المؤمن الذي يريد أن يميز عمل الروح القدس، عليه أن يفهم أولاً قضية هدف الحياة الروحية وقضية الطريق الذي يؤدي إلى هذا الهدف، وخصوصاً عليه أن يعرف أن يميز خطوات وأطوار هذا الطريقلا نستطيع فصل تمييز عمل الروح القدس من معرفة تضاريس الطريق الروحي وأطواره، وذلك لأن كل فعل من أفعال الروح القدس فينا متجه إلى الهدف: "الاتحاد بالمسيحأو"اقتناء الروح القدس". يقيس المميز ما يحدث في حياته اليومية باتجاه بوصلة الفعل الذي يفعله.

إن كل أفعال وتحركات الروح القدس فينا هي لاهوتية، بمعنى أنها تصلنا مباشرةً بالمسيح الذي هو اللهفالفعل اللاهوتي (فعل إيمان، فعل رجاء، فعل محبةيوصلني مباشرةً بالله (اللاهوتأي الطبيعة الإلهية.
لاننسى أيضاً أن المقصود هنا بلفظ "اللههو المسيحكل حركة من حركات الروح القدس هدفها أن توصلنا للمسيح، أو بمعنى أدق أن تشكلنا على مثال المسيحإنه حقاً الروح القدس هو الذي شكل المسيح في أحشاء مريم العذراء، ولا يفعل شيئاً آخر في المؤمنين سوى تشكيل المسيح فيناإن حديث المسيح مع نيقوديموس (يو3، 3) في انجيل يوحنا يقع مباشرةً بعد كلام المسيح عن إعلانه لإعادة بنا هيكل جسده (يو2، 21). كل واحد منا مدعو أن يكون عضواً في جسد المسيح، وحتى يصل إلى ملء قامة المسيح عليه أن يمر عن طريق "ولادة جديدة" (يو3، 5). نحن نعرف أن فترة تكوين الإنسان في بطن أمه تدوم تسعة أشهر، كذلك فترة نمو ونضوج المسيح فينا لها أيضاً فترة تسعة "أشهر". مهندس هذا النمو، كما قلنا، هو الروح القدسالمكان الذي يحدث فيه هذا النمو، ثم هذه الولادة، هو حقاً أحشاء العذراء مريم أيضاًليس هنالك تغيير في منطق عمل اللهفي الواقع كلمات نيقوديموس كانت قريبة جداً من الواقع الروحي، إذ أنه أشار بوضوح شديد إلى ضرورة رجوع الإنسان، وهو كبير السن، إلى بطن أمه (أنظر يو3، 4). إن في نظر المسيح، (وفي نظر يوحناالأم الحقيقية التي يحدث في بطنها هذا النمو وهذه الولادة هي حواء الجديدة، العذراء مريملهذا السبب أعطانا المسيح المتمخض10 على الصليب أحد تعاليمه وأحد وصاياه الأسمى بإعطائه أمه لنا كأم (19، 27).

و ليس انجيل يوحنا إلا وصفاً تفصيلياً لخطوات نمو الإنسان في بطن أمه العذراء مريم حتى تصل الساعة، ساعة الولادة من جديد: "المرأة تحزن إذا حانت ساعتها لتلد، ولكنها حالما تلد طفلها، لاتعود تتذكر عناءها، لفرحها بأن إنساناً قد ولد في العالم" (يو16، 21؛ انظر أيضاً رؤ12، و رومية8، 22).
من المهم على كل من يتبع الروح القدس أن يفهم إطار عملهإنه يعمل في العذراء مريم لأننا فيها، ويشكلنا فيها على صورة المسيح ومثالهلذلك إن من العناصر الأساسية للتمييز الروحي اتخاذ العذراء كأم حقيقية تامة وشاملة، يسلمها الإنسان حياته الروحية وثماره الروحيةلهذا السبب أشار يوحنا الإنجيلي لنا بخطوة روحية ضرورية، عظيم شأنهاأن نأخذ مريم إلى بيتنا:"’هذه أمك’، ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى بيته" (يو19، 27).

هذا هو منطق التجسد، منطق يمتد من الرأس إلى الجسد أي من المسيح نفسه إلينا نحن أفراد جسدهالروح القدس الذي يعمل في المسيح هو نفسه الذي يعمل في أعضاء جسده، ومنطقه وأساليبه واحدة هنا وهناكإذا اتخذ الله من حضن العذراء مريم مكاناً لتأنسه بعمل الروح القدس، لا يعقل ألا نتخذ نحن أيضاً من حضن العذراء مريم مكاناً طاهراً يعمل فيه الروح القدس بدون عائق وبكماللذلك، حتى لا تقع حياتنا الروحية خارج العذراء مريم، أو حتى لا ننسى أن نأخذها معنا في بيتنا، حذرنا بشدة القديس يوحنا في رسالته الأولى قائلاً: "أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح" (1يو4، 1). لأنه يعلم جيداً بضرورة تمييز الروح الذي يقودنا والإلهامات التي تأتينا والأفكار التي تخطر ببالنا والأحاسيس التقوية التي تدفع إرادتنا وعاطفتناإذ أن الحياة الروحية تشبه إنساناً يدخل في غرفة مظلمة يسمع فيها أصواتاً ولكنه لا يعرف مصدرها (يو3، 8). ومن وظائف التمييز الأولى هي كشف مصدر الصوت أي معرفة صاحب الإلهامات، إذ أن أي روح يطير في الهواء ممكن أن يؤثر علينا ويسمعنا صوته، وسماعنا لصوته لا يعني أنه الروح القدسفالروح القدس هو، كما يقوله اللفظ، روح قدوس أي روح الله نفسه المعطى للإنسان، لا يقبل في تعامله بأيّ عائق أو أيّ قذاره أو حتى شائبهلذلك مكانه الأوحد للعمل على تصوير المسيح فينا هو حضن العذراءعملية تصوير المسيح فينا هي عملية طاهرة إلهية لا تستطيع أن تتم إذا كان هناك عائق أو شائبة وحضن العذراء مريم، علمنا أم لم نعلم، هو الوسط الوحيد الذي يعمل فيه الروح القدس عمله المقدس وبشروطه المقدسة كما نراها في هذا السؤاللذلك حثنا بشدة يوحنا الإنجيلي قائلاً: "امتحنوا الأرواح لتعرفوا ما إذا كانت من عند الله أم لا"، وأيضاً "وهذه هي الطريقة التي تعرفون بها كون الروح من عند الله فعلاًإذا كان ذلك الروح يعترف بأن يسوع المسيح قد جاء إلى الأرض في الجسد فهو من عند الله" (1يو4، 1-2).

الاعتراف بالتجسد يعني هنا أن الروح نفسه الذي عمل في التجسد في أحشاء العذراء هو الروح نفسه العامل في المؤمن الذي هو في حضن العذراءلذلك من المنطقي أن الذي يشرع في السلوك في الحياة الروحية ويريد أن ينقاد بالروح القدس، أن يأخذ حضن العذراء مريم مسكناً، متبعاً بذلك منهج الله ومنطقهلقد أعطيت العذراء مريم لكل معمد في معموديتهإن أحد رموز جرن المعمودية هو حضن العذراء مريم، والقنديل (أو الشمعةالذي يضاء بعد المعمودية، علامة للإيمان الجديد للمؤمن، وعلامة لحياته الروحية الجديدة، ولشعلة الروح القدس المتقدة في قلبه، تشير إلى إيمان العذراء مريم بالمسيح، فهي العذراء الحكيمة الوحيدة التي آمنت بما قيل لها من عند الرب والتي تطوبها كل الأجيال (لو1، 48). نصاعة الثوب الجديد الذي يرتديه المعمد تشير إلى طهارة إيمان العذراء ومن ثم إيماننا، لأن إيمان أولاد حواء ينبثق من إيمانها، فحواء الجديدة هي أم الأحياء الجدد.

مع تواجد العذراء مريم منذ أول لحظة في المعمودية، على كل مسيحي يسلك في الطريق الروحي أن يجدد انتمائه لهذا الحضن على مدار اليوم (إن فعل الانتماء هذا فعل يدرب عليه له أصوله وقواعده). فمتى انتمى الإنسان إلى العذراء، أسرع وهرول الروح القدس للعمل فيه، ولإشعال نار محبة الله فيه، ومن ثم الاستطراد في عملية تنمية المسيح فيهفاتخاذنا للعذراء يجذب الروح القدس إلينا كل الجذب.
إن داخل العذراء مريم تبقى شعلة نار الحب مشتعلة دائماً، لا تنخفض ولا تنطفىء، ومن يريد أن يحتفظ بشعلته متقدة فليلجأ إليها والشعلة هي الروح القدس.

ثالثاًصلاة الإصغاء
بما أن الإنسان كائن ذو عقل اختار الله أن يخاطبه بالكلام المفهومعندما خاطب الله الأنبياء خاطبهم بالكلام المفهوم، وعندما تجسد الأقنوم الثاني كلمة الآب وفكره وحكمته، فقد استخدم كلمات بشرية حتى يخاطب بها الإنسان، ولكنه أضفى على هذه الكلمات طابعاً فريداًغلافها الخارجي، أي حرف الكلمة، هو بشري بسيط ومعروف، ومأخوذ من اللغة الآرامية والعبرانية المستخدمة في محيطه الثقافيأما باطنها ومكنونها فهو الروح القدس الرب المحي لذلك قال المسيح إن كلماته هي روح وحياة (يو6، 68 )، أي روح قدس وحياة إلهية فيناعلينا إذاً أن نلاحظ الرابط الجوهري بين كلمات المسيح التي سمعها معاصروه والروح القدسإنه لم يقل إن كلامه فيه روح وحياة ولكن إن كلامه هو روح وحياة، والفرق هنا شاسع والمكنون هام جداًفكما يقول الكتاب إن سلاح الروح القدس هو الكلمة (أف6، 17)، وأيضاً إن بإصبع الله يطرد الشياطين(لو11، 20)، بينما نعرف أنه بكلمة واحدة يفعل ذلكلا نستطيع إذاً أن نفصل كلام المسيح من روح مسحته أي الروح القدسلذلك من أراد أن يميز عمل الروح القدس فيه عليه ألا يفصل، ولا بأي شكل، فهمه للروح القدس وعمله عن فهمه لكلام اللهإن كلام الله هو نار (أع2، 3) أي نار الروح القدسالتمرس في كلام الله والتعرض لأشعة كلام الله القوية هي أول أعمال التمييزيمتحن الإنسان في بوتقة كلام اللهلذلك من أول تدريبات التمييز ممارسة صلاة الإصغاء حتى نسمح للروح القدس أن يدخل فينا بسلاحه، كما يقول الكتاب: " إن كلام الله حي، ناجع، أمضى من كل سيف ذي حدين، يصل في نفاذه إلى ما بين النفس والروح والأوصال والمخاخ، وبوسعه أن يحكم على خواطر القلب وأفكاره، لا يخفى عليه خلق بل كل شيء عار مكشوف لعيني ذاك الذي يجب علينا أن نؤدي له الحساب." (عب4، 12- 13). إن ميزة سيف الروح ليست القدرة على الدخول إلى أقصى أعماق خبايا الإنسان، ولكن أيضاً هي القدرة على التمييز أي الفرز بين شيء وآخرإن عملية التمييز تفرق بين شيئين، وعمل السيف هو أيضاً هذا العمل أنه من ناحية يبعد ما ليس إرادة الله، ومن ناحية أخرى يبرز بتجلٍ أكبر ما هي إرادة الله.
لهذه الأسباب، علينا أولاً أن نشحذ تمييزنا بتمرسنا اليومي على كلام الله.
إن على الإنسان المنقاد بكلمة الله أن يفعل ذلك في إطار التقليد الحي والتفسير الصحيح بحسب آباء الكنيسة، لأن الروح العامل فيه من خلال معاني كلمات الكتاب هو الروح نفسه الذي عمل في الآباءعلى يد الآباء نتعلم تمييز الكلمة فروح الكلمة هو روح الإيمان الذي سكن فيهم وتجلى في شروحاتهم والتلمذة على أيديهم هي تلمذة تمييز.

رابعاًالإسترشاد
من أهم عناصر التمييز التأكيد الذي يأتي به الروح القدس عن طريق المرشدالروح القدس يعمل أولاً فينا ولكننا لا نعمل فيه إلا بعد التثبيت الذي يعطينا إياه عن طريق الإسترشادفإنه لا يوجد فرق بين الروح القدس العامل فينا والروح القدس العامل في المرشدفالروح القدس في المرشد يساعدنا أن نرى ونميز ونفرز الروح القدس العامل فيناقلب الإنسان، كالأرض التي يتكلم عنها المسيح، فيه الزرعة الطيبة وفيه الزوؤان بأشكالهيعمل الروح القدس في الزرعة الطيبة لأنه هو أصلها، ويشير الروح القدس نفسه عن طريق المرشد في قلبنا على عمله فينا ويبعد كل عملٍ ليس عملههذا التثبيت أساسي في الحياة الروحية للحصول على التمييزالتواضع هنا ضروري إذ يجعلنا نبحث عن الروح القدس الذي يكلمنا في الإرشاد الروحيمن ابتعد عن هذا المنطق فقد ضلّ.
التثبيت الذي يأتينا من الروح القدس في عملية الإرشاد يعطينا القوة الكافية حتى نقوم بعمل الله نلاحظ أن العذراء مريم لم تسبح علناً الله إلا بعد التثبيت الذي حصلت عليه من الروح القدس عن طريق نسيبتها أليصاباتقد يظن بعضهم أنه كان من البديهي أن تُسبح العذراء مريم الرب مباشرةً بعد بشارة الملاك ولكن هذا لم يحدث.

28- ما الصليب وما القيامة في الحياة اليومية؟

بادىء ذي بدء لا نستطيع فصل الصليب عن القيامةالمسيح نفسه لم يفصلهما، ففي الأناجيل الإزائية مثلاً (متى ومرقس ولوقايعلن المسيح لثلاث مرات بأنه سيتألم ويموت ثم يقوم: "من ذلك الوقت، بدأ يسوع يعلن لتلاميذه أنه لابد أن يمضي ويتألم على أيدي الشيوخ و رؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل، وفي اليوم الثالث يقوم" (مت16، 21). وإذا شاهدنا الصليب، أو بالأصح المصلوب، فقط هذا لا يفرغ عملية الصلب من أبعادها: 1- أبعاد الهية 2- بعد القيامة.
1- أبعاد إلهية: إن المصلوب هو الأقنوم الثاني المتجسد، فالمصلوب بكونه الله يعطي الصليب كل الأبعاد الإلهيةلا ننسى أن المسيح اختار بكل حريته أن يدخل في آلامه وصلبه ولا ننسى أنه في آلامه مازال كلي العلم وكلي القدرة11لذلك كل لحظة من لحظات آلام وصلب المسيح الكلمة هي ممتلئة بقوة خلاص ونصرة لا رجعة فيهالذلك في بعض الطقوس الشرقية يحتفل بانتصار المسيح منذ لحظة موته، لأن الذي مات ليس إنساناً فقط ولكن الإله المنتصر في هذه الطبيعة البشرية.
2- بُعد القيامةيضيف بالتأكيد حدث القيامة على حدث الموت إنتصاراً جليّاًالموت والقيامة وجهان لا ينقسمان من عملية واحدة هي عملية الخلاصالفصح هو في حد ذاته عبور من الظلمة، ومن الموت إلى الحياة مع الله.12

البعد الصوفي لعملية الخلاصإن لعملية الخلاص (آلام وموت وقيامةبُعداً "صوفياًأساسياً بدونه يُفقد المعنى المسيحي للخلاصكلمة "صوفيتشير إلى واقع روحي حقيقي لا تراه العيناللفظ أصلاً موجود باليونانية (ميستيكيهومن ثم مشتقاتها باللغات ذات الجذور اللاتينيةهذا اللفظ يعني "خفيأو "سريلذلك ترجمه بعضهم بلفظ "سريكجسد المسيح السري.
في خميس العهد يأتي المسيح بفعل صوفي، وهو التبادل السري التام بينه وبين كل واحد منا عن طريق المناولةيُعرف الحب بتبادل بذل الذات بين كائنينهذا التبادل يُحدث وحدة (الوحدة أكثر من الاتحاد، ففي الاتحاد مازالا اثنان)، وهذه الوحدة من أعجب العجائب لحب الله – وهي صوفية في ذاتها.
في يوم الجمعة العظيمة يظل المسيح مصلوباً ست ساعات (ثلاث ساعات في الشمس، وثلاثاً بدون شمس). في هذه الساعات يتم فعلاً كل التبادل بين المسيح وكل واحد منابالروح القدس يذهب المسيح، الراعي الصالح، إلى أحلك الأماكن حتى يجد الإنسان الضال الخاطىء الميت روحياً ويحمله في داخله بعملية صوفية، يرأسها الروح القدس، يتوحد فيها كيانه مع كيان الإنسان الضال ويرجع المسيح حاملاً الإنسان في طياته إلى نور اللهلذلك، وإن كان المصلوب لا يتحرك ظاهراً، ففي الواقع إنه في حركةإنه فعلاً فصحنا أي أنه في حالة دائمة للعبور أو بمعنى آخر إنه "عبّارتنا".
إن الله على الصليب قد فعل كل مقدوره حتى يحبنا وجعل على الصليب من نفسه، من طبيعته البشرية، "عبّارتناالإلهيةلاْ يفرض الله ذاته علينا بل يفضل أن يحثنا على الحب الحقيقيتبادل الحب الحقيقي مع المسيح يعني أنه من طرفنا علينا أن نقدم ذاتنا كاملةً للمسيح، واضعين أنفسنا داخل "العبّارةالإلهيةللتو يحملنا المسيح من ظلمةٍ إلى قيامةٍحركة "العبّارة"، أي المسيح المصلوب، من الظلمة إلى النور،هي حركة دائمة تُملي على الزمن البشري نبضه الأساسي (الذي فُقدحتى تصبح وحدة الزمن الحقيقية. 1- الدخول في "العبّارةيعبر بنا من ظلمةٍ إلى نورٍ 2- الدخول في "العبّارةيحولنا في المسيح، أي يؤلهنا راسماً خطوتنا في الأرشيف الأبدي أي كتاب الحياةيتغير إذاً الزمن تحت أعيننا باختبارنا لحظة بعد لحظة لخطوات العبورفي كل يوم عندما نواجه ظلماتنا ونضعها باختيار حر (الذي هو دليل حبفي قلب المسيح المصلوب، نسمح لذاتنا أن ننال الخلاص جرعة بعد جرعة، خطوة بعد خطوة، عابرين من الموت إلى القيامة، مختبرين قوة انتصاره.
علينا إذاً ألا نفقد كل الفرص المتاحة لنا خلال النهار حتى نضع صعوباتنا ومشاكلنا وفوق كل شيء ذواتنا في كيان المصلوب حتى يرفعنا إلى قلبه ويغيرنا فيهالصليب، وبالأصح المصلوب، هو في الواقع قوة رافعة علينا استخدامها واختبارهافبفضل الصليب الشر، وأي شر، ليس له الكلمة الأخيرة، بل المصلوب الإله هو الذي يصنع من الشر خيراً أسمىيستطيع الله إذاً دائماً أن يستخرج من أي شر خيراً أعلى، ولكن هذا لا يتم بدونناكلنا مدعوون أن نضع الشر الذي ينغص علينا حياتنا بين يدي المصلوب، حتى نستطيع أن نختبر الخير الأعلى الذي هو من صنع الرب فقطالاختبار فقط هو الذي يجعلنا نتحقق من قوة الصليب، وأن نعرف بيقين أنه "المُحولالأكبر والأوحد الذي يحّول مرارة الظلمة إلى شهد القيامةإن القديسين كلهم قد إستقوا من قوة الصليب البالغة واختبروا كيف أن الشر يتغير إلى خير أعلى وأن عالمنا هذا، بقوة الصليب، ليس مكتوباً عليه أن يزول ولكن أن يتحول ويتغير بقوة الصليبعلينا إذاً أن نأخذ حصتنا من المسئولية في تغيير عالمنا وألا نهرب منه، فكل واحد منا ينال قسطاً من المصاعب والشرور، ولكن عليه أن يرى قوة الصليب المغيرة التي تصحبه، وأن الله يولينا كرامة عالية، جاعلاً إيانا شركاء في تغيير وخلاص هذا القسط نفسهعلينا إذاً أن نحذو حذو القديسين، ونستخدم قوة الصليب استخداماً يومياً حتى تدخل قوة القيامة في أحداث يومنا وتغيرهاهكذا يتغير عالمنا ومجتمعنا يوماً بعد يوم تغييراً حقيقياً وفعلياً من الداخل.
تخرج من الصليب، وبالأصح من جنب المسيح (مكان خلقنا من جديد)، قوة بالغة، وعلينا أن نطلبها ونختبرها في كل لحظة من نهارنا.

29- اذكر لنا أمثلة من قديسي البيئة المصرية، وحياتهم الروحية؟

قبل التكلم عن القديسين المصريين، علينا أن نفهم مكانة كنيسة مصر في الكنيسة جمعاءأولاً كنيسة مصر، وبالأصح كرسي الإسكندرية، هي من ضمن الكنائس الخمس الأم التي منها انبثقت كل كنائس العالمالكنائس الأم هيروما، الإسكندرية، القسطنطينية (أو روما الجديدة)، أنطاكية وأورشليمكنيسة الإسكندرية لها وقع تاريخي وكنسي كبير جداًتأثيرها أولاً و قبل كل شيء ناتج من عدد شهدائها الغفيرفنحن نعلم أن دم الشهداء المختلط بدم المسيح وبمحبته الإلهية أقوى وسيلة لنشر الإنجيل وزرع مؤمنين آخرينمن التأثيرات الأخرى لكنيسة الإسكندرية، على سبيل المثال وليس الحصر، هيمن الناحية العقائدية (أثناسيوس وكيرلس)، ومن الناحية اللاهوتية (مدرسة الإسكندرية للتعليم المسيحيأكليمندس، أوريجانوس..إلخومن الناحية الرهبانية (أنطونيوس، مكاريوس، باخوميوسومن الناحية الروحية (المعلمون الروحانيون من الرهبان أو من المعلمين اللاهوتين أو من البطاركة). من هذا المنطلق نحن في مصر أمام مسئولية كبيرة تاريخية وكنسيةمن درس تاريخ الكنيسة الجامعة كثيراً ما سيرجع إلى مصر للأسباب التي ذكرناها أعلاهعلينا أن نفهم المنطق الإلهي الذي يقول إن الله عندما يبدأ شيئاً فهو يريد أن يكملهلذلك علينا أن ندرس تاريخنا بنظرة إيمانية حتى نكتشف كنوزنا ومن ثم مسئوليتنا الكنسيةلا نستطيع أن ننسى أن الرهبنة بدأت في مصر، وأبو الرهبان مصري، ومدرسة الإسكندرية منارة استقى منها العالم كله بدءاً من الآباء اليونانيينليس سخاء تربة مصر وتقوى أهل مصر فقط لمصر ولكن للعالم.
علينا أن نعرف أن من أهم قديسي الكنيسة الجامعة هو القديس أنطونيوس الكبير أبو الرهبانإن حياته بأطوارها فصل جديد يفتح أعيننا لفهم انجيل المسيح بشكل أعمقإن تعاليم القديس أنطونيوس لها خاصية مميزة و فيها النعمة الخاصة للمؤسس الذي هو أب لعائلة كبيرة.
علينا أن نتنبه للعلاقة الوطيدة بين القديس أنطونيوس والحياة الجديدة التي يفتتحها من ناحية، و القديس أثناسيوس بطريرك الإسكندرية وأسقفها من ناحية أخرىإن من عرّف العالم بالقديس أنطونيوس وقدم هذه الحياة كمثل للجميع هو القديس أثناسيوس الرسوليفالقديس أثناسيوس رأى نعمة الله في أنطونيوس تعمل وتخلق نمط حياة جديدبسرده لحياة أنطونيوس كان أثناسيوس يثبّت هذه الدعوة في الكنيسة في مصر وفي العالملقد رأى أيضاً القديس أثناسيوس العلاقة الوطيدة بين نمط الحياة (وبالأخص الحياة الروحية العميقة التي هي جوهر الحياة الرهبانية)، وأورثوذكسية الاعترافلقد استدعى القديس أثناسيوس أنطونيوس الراهب من خلوته حتى يساعده بشهادته في حروبه العقائدية ضد آريوس و فيروسه المنتشرو جاء أنطونيوس مسرعاً، معترفاً بأن المسيح هو الله.
من المهم جداً للكنيسة أن تفهم معنى دعوة أنطونيوس المصريكان أنطونيوس مؤمناً عادياً ينتمي لرعيتهو في يوم من الأيام، في القداس، أتاه صوت الرب داعياً إياه للتعمق في معموديته13فترك أنطونيوس كل شيء حتى يبحث عن المسيح الله ويجده ويعيش معهلقد كرس كل طاقاته لهذا الهدف الأوحدهذا هو المعنى الأساسي لهذه الحياة الجديدة.فالسخاء والتقوى اللذان عُرف بها شهداء مصر كُرسوا، ببركة أثناسيوس، في هذا السعي الدؤوب الذي أصبح أنطونيوس رأساً له.
"يسوع المسيح هو الذي مسحه الآب بالروح القدس وأقامه "كاهناً ونبياً وملكاً". وشعب الله كله يشترك في وظائف المسيح الثلاث هذه، ويتحمل مسئوليات الرسالة والخدمة التي تنشأ عنها" (كتاب التعليم المسيحي رقم 783). في هذا الحدث الفريد في حياة الكنيسة، حدث دعوة المسيح لأنطونيوس حتى يتبعه عن قريب، تظهر عناصر الكنيسة ووظائفهاالكنيسة ملكة تدبر حياة المؤمنين، وتُّفصل كلمة الحق في شخص بطريركها وأسقفها أثناسيوسوالكنيسة كاهنة تتبلور في رعية أنطونيوس وكاهنهاوالكنيسة نبوية تتبلور في أنطونيوس أبي الرهبان والروحانيينتكون الكنيسة جسداً متكاملاً وناضجاً عندما تجتمع وتعمل فيها هذه العناصر الثلاث بدون فصل ولاامتزاجالتدبير الأسقفي، الرعاية الكهنوتية (في الرعيةوالقيام النبوي14 (للراهب أو الروحاني).
بمعنى آخر إن أنطونيوس يعد أكثر من "أب للرهبان". فالوظيفة النبوية في الكنيسة ليست مقتصرة على الراهب أو اللاهوتي15الدعوة للتعمق في المعمودية، التي هي دعوة الراهب، ليست مقتصرة على الراهبفكل مسيحي، ممكن في حقبة من حياته المسيحية، أن يشعر بدعوة للتعمق في حياته الروحيةفهذه الدعوة ليست رهبانية ولكن إطارها إطار نبويويبقى القديس أنطونيوس، الذي تبلور فيه العنصر النبوي للكنيسة، مثالاً ومرجعية أساسياً لهذه الدعوةلذلك علينا أن ندرس بحرص شديد حياته و أطوارها الروحية، لأن فيها تعاليم أساسية لكل من سمع الدعوة من المسيح للتعمق في حياته الروحية



30- كيف تؤثر الروحانيات المعاصرة في الكنيسة الكاثوليكية إيجابياً على وحدة الكنائس (أي الحركة المسكونية)؟

منذ بداية القرن الماضي، نشأ في قلوب المؤمنين المسيحيين أي المعمدين الإحساس الروحي الإيماني بضرورة وحدة أخوة المسيح في كنيسة واحدة ذات راعٍ واحد وروح واحدةهذه المجهودات، صدرت من مؤمنين ينتمون إلى كنائس وجماعات مسيحية مختلفةبالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، تبلورت هذه المجهودات في نص أساسي صدر في المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني وعنوانه "الحركة المسكونية". علينا بالتأكيد أن نقرأ هذا النص ونتمعن فيه حتى نفهم معاني وأبعاد هذه الدفعة الإلهية النابعة من الروح القدس التي تدعو كل مسيحي وبالأخص كل مسيحي كاثوليكي إلى أن يسعى جاهداً لتحقيق وحدة الكنائسالجدير بالذكر، ومن الهام جداً أن نعي أن السبب الأول والأساسي للدعوة إلى "المجمع المسكوني الفاتيكاني الثانيتحت رعاية البابا يوحنا الثالث والعشرين في 25 يناير 1961، كان واحداً هو تحقيق وحدة الكنائس والجماعات المسيحية تحت كنيسة واحدة كما أرادها المسيح وروح واحدةمن الممكن أيضاً قراءة كتاب "التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيفقرات من 813 حتى 822 الذي يتكلم فيه عن كون الكنيسة "واحدةويشرح فيه: 1- سر وحدة الكنيسة (813- 816) 2- جراح الوحدة (817- 819) 3- نحو الوحدة (820 -822).
الرقم 821 في كتاب "التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيةتشرح فيه الكنيسة شتى الوسائل التي علينا أن نتخذها ككاثوليك وكمسيحيين حتى نصل إلى نعمة تحقيق الوحدةمن قرأ وتعمق في هذه القضية الهامة و الأساسية وضّحت له الأبعاد الروحية للدعوة الإلهية إلى الوحدة.
إننا نتكلم عن دعوة فعلية يوجهها الروح القدس إلى قلب كل مسيحي يبدأ يتعمق في حياته المسيحيةنلاحظ إذاً الرباط الباطني الوثيق الذي يربط بين الحياة الروحية للمؤمن (أياً كان كاهناً، راهباً، أوعلمانياًوالدعوة الروحية للعمل نحو اتحاد الكنائسهذا يعني أنه إذا كانت حياة المؤمن (أياً كان وأياً كانت كنيسته أو جماعتهفعلاً صادقة وطاهرة فالروح القدس الذي يعمل فيه سينشيء في قلبه أنيناً وحمية، يتألم من ناحية لتمزق جسد المسيح، ويدفعه الروح القدس أي المحبة الإلهية من ناحية أخرى إلى العمل الدؤوب نحو الوحدة بشتى الوسائل المتاحة اليوم.
الجدير بالذكر، وعلى سبيل المثال، إن ثمة مجهودات كبيرة قد تمت بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذوكسية، ولكن هنالك إنجازات فعلية قد تمت خاصةً منذ زيارة البابا شنودة الثالث للبابا بولس السادس سنة 1973 . منذ ذلك الحين قد اتفقت الكنيستان على عدة نصوص، منها نص أساسي إيماني حول شخص المسيح يلاشي قروناً من الشك والغموض والحزن والألمإنها فعلاً صفحة جديدة بل وعصر جديد مضيء، يعالج شيئاً فشيئاً ما قد تم للأسف في مجمع خلقدونية سنة 451 . على جمع المؤمنين أن يعلموا أن الكنيستين تجتمعان بشكلِ دوري على مستوى المسئولين واللاهوتيين لدراسة نقاط الخلاف والتوصل إلى ملاشاتهاعلى المؤمنين على أرض الواقع أن يصحبوا هذه المجهودات المضنية بالوعي والصلاة.
المسيحي له دور أساسي في التحرك نحو الوحدةإنه لا يكتفي بالتفرج على مجهودات الكنائس اللاهوتية، وعلى العمل اللاهوتي بل عليه أن يساهم بالكثير في إطاره وعلى مستواهإنه على حق تتكلم الكنيسة الكاثوليكية عن البعد الروحي للحركة المسكونية مسمية إياه ب "المسكونية الروحية"، داعية المؤمنين إلى "ا"لصلاة المشتركةإذ إن التجدد في الباطن والقداسة في السيرة، متحدين بالصلوات الجمهورية والفردية لأجل الوحدة بين المسيحيين، يجب أن يعدا بمثابة الروح لكل حركة مسكونية، وأن يسميا بحق "المسكونية الروحية"" ("التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية" 821 ).
من البديهي أن كلما ازداد الوعي الروحي للمسيحي، أياً كان انتماؤه الكنسي وأياً كانت عائلته الروحية (
انتماء لأخوية أو رهبانية ثالثة أو حركة كنسية...إلى آخرهازداد حسه الروحي المسكوني، وازدادت صلاته للوحدة، وأضفى على علاقته مع إخوته المسيحيين بروح الرغبة في الوحدةالانفتاح بالفكر وبالقلب للأخوة المسيحيين، هو نتيجة طبيعية لعمل الروح القدس في المسيحييشير الروح القدس،الذي هو روح الوحدة، إلى كل ماهو إيجابي وبنّاء عند الآخر ويدفعنا إلى المساهمة في إنمائه والإستفادة منه.
علينا أن نضيف بعداً محلياً مهماً للقضية المسكونية، وبالأخص ل "المسكونية الروحيةبين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسيةكلما تعمقنا في التراث الروحي الحي في كل من الكنيستين، تحققنا في الأعماق أن في الواقع تراثنا واحداً وأن التفاوت في التعبير عنه ليس إلا قشوربهذا الشكل نتحقق أن ليس وحدتنا متحققة في مشاهدتنا للمسيح الواحد في الصلاة والطلب ولكن، وحدتنا متحققة أيضاً في وحدة التراث الروحيهذا التحقق يدفعنا إلى وعي جديد متجدد بأن مياهنا الجوفية واحدة حتى وإذا كان ظاهرياً أن لكلٍ بئرهِ الخاصلذلك علينا أن نعيش ونحيا في الأعماق حيث المياة الواحدة التي تتدفق بغزارة. "من له أذنان فليسمع" (مت13، 9).
نستخلص مما سبق أننا مازلنا نستطيع فعل الكثير حتى نحقق رغبة الروح الذي يسكننا في وحدة الجسدأولاًلا يستطيع أي مسيحي كان أن يدعي أن روح المسيح تسكن فيه وأن لديه حياة روحية وهو في الواقع لا يشعر روحياً (وهذا من ثمار الروحبألم تمزق الجسد الواحدهذا الأنين يسكن دائماً في قلب صلاته وأحاسيسه وعلاقاته مع إخوته المسيحيين أياً كان تصرفهمثانياًعلى كل مسيحي أن يتعمق ليس في حياته الروحية فقط ولكن في معرفته لتراثه الروحي لكنيسته أولاً وللكنائس الأخرى ثانياًإن لدينا الكثير المشترك في هذا الصددبعد هذا التعمق يصبح من السهل على المؤمن أن يسكن في الأعماق ويعيش منذ الآن بُعد الوحدة المتحقق في هذه الأعماقفبشكل ما اختبار المياه الجوفية المتدفقة الواحدة الموحدة هو اختبار ليس لوحدة مستقبلية فقط ولكن لوحدة متحققة منذ الآننفهم من ذلك أن التوصل إلى الوحدة الفعلية يفرض على الكنائس أن تنمو روحياً في أفرادها وفي جمعهافمعادلة الوحدة ليست 1+1 = 1 ولكن 5+5 = 1. هذا يعني أن كل نما روحياً وأصبح 5. وهذا يعني أيضاً أن بدون حياة روحية وبدون نمو روحي فردياً وكنسياً العمل المسكوني ناقص ( 1+1= 2 وليس 1). الخطر الذي يواجهنا اليوم في النقاشات اللاهوتية هو الذي واجهنا في مجمع خلقيدونية في سنة 451 .
إذ أن من السهل على النقاش اللاهوتي أن يخدم نوايا وسياسات بشرية وعرقيةأما الحياة الروحية العالية تجرد الإنسان من هذه الشوائب البشرية المتدنية وتجعل النقاش اللاهوتي تحت خدمة الروح القدس وليس العكس.
أتمنى أخيراً أن هذا اللقاء وهذه الشروحات تكون قد أعطت دفعة لمن يقرأها أن يتعلم أكثر، ويبحث أكثر ومن الممكن أن يسأل في كنيستهوأتمنى من القارئين لهذا الكتاب أن يقتربوا، ويدخلوا في طريق التغيير، والنمو، والتطهر، حتى يصلوا إلى الاتحاد مع الله، وأن تكون لهم خصوبة، لا يعطيها إلا الله وحده.
أشكركم،

 رفيق خوري
www.amorvincit.com



10 إن هذا اللفظ ورد على لسان القديس بولس في رسالته إلى غلاطية 4: 19، ولكن المتمخض الأول والأوحد هو المخلص نفسه على الصليبفأي تمخض آخر هو في الواقع اشتراك في تمخض المسيح.
11 انظر يوحنا 18، 4 – 6 حيث يتجلى هذا السلطان
12 ملاحظةالانتصار التام يتم بصعود الرب بطبيعته البشرية وجلوسه عن يمين الآبلذلك يشدد القديس بولس على هذا الانتصار في السماء وعلى سلطان المسيح التام (أفسس1، 20 – 22).

13 لاهوتياً، التكريس الرهبني مع أنه نعمة خاصة ودعوة خاصة ونمط حياة ونذور لا يشكل سراً جديداً في الكنيسةالأسرار السبعة، وعلى رأسها المعمودية، باقية كما هيالتكريس الرهباني في حد ذاته لا يضيف شيئاً جديداً للمعمودية، ولكنه دعوة و نعمة للتعمق في المعمودية ذاتها إذ أن فيها كل شيء، والمعمد أساساً لا ينقصه شىء
14 "وقام إيليا كالنار و توقد كلامه كالمشعل" (سيراخ48، 1).
15 الجامعات و المعاهد و المدارس اللاهوتية تعد أيضاً من ضمن الوظيفة النبوية للكنيسة.

هناك تعليق واحد:

  1. الله معاك أبونا٫
    هل لديك نفس المواضيع في اللغة الفرنسية لو سمحت ؟
    شكراً لك لهذه المواضيع الغنية والممتلئة من الروح القدس
    الشدياق شربل معوض

    ردحذف